Saturday, June 25, 2011

حلف بكركي بعبدا الرابية: اللّه أكبر
جان عزيز
ليست مجرد حركة «رد فعلية» أن يتجه الثلاثي الماروني، البطريرك الراعي والرئيس سليمان والعماد عون، إلى التلاقي، وبالتالي اللقاء. فلفهم الدوافع يكفي عرض المشهد اللبناني في دوائره الثلاث:
أولاً على المستوى الداخلي، قرر الفريق الحريري، نهائياً على ما يبدو، الدخول في الحرب الخارجية القائمة في المنطقة والعالم، وصمّم على ربط مصيره ومصير قسم من اللبنانيين بنتائجها. فهو فتح معركة دولية على جماعة لبنانية أساسية، بواسطة مطرقة ميليس والصدّيق، وحاول تدعيمها بالتطوع كمفرزة سباقة أو كاسحة ألغام في الحرب الوهّابية على إيران، تماماً كما أعلن عشية لقاء 13 آذار الماضي وخلاله. وبين الاثنين، كان ولا يزال متقدماً بطلب انتسابه رأس حربة في هجوم الفرع السياسي لتحالف «القاعدة ـــــ طالبان» على سوريا، مع ما كل ما تحمله هذه الرهانات من مخاطر.
أما على المستوى الإقليمي، فهناك محاولة لفرض «أممية» أصولية لمصلحة أقلية متشددة، وباسم الأكثرية الدينية المخطوفة. بدليل أن الشعار الوحيد المشترك بين كل اضطرابات المنطقة كلمتان اثنتان: الله أكبر. والأخطر أن نتائج هذه المحاولة بدأت تظهر. ففي القاهرة سقط ملايين المتظاهرين بضربة واحدة، لا بل بورقة واحدة، هي وثيقة الأزهر الأخيرة التي أفتت ـــــ بعد مبارك والثورة و«الميدان» والشهداء والبلطجية والنصر والخيبة ـــــ بأن يكون كل النظام متوافقاً «مع المفهوم الإسلامي الصحيح»، وأن «تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع». أما في محيطات دمشق، فمجلس قيادة الثورة بات واضح الهيكلية، ويمكن اختصاره برابطة مساجد «الإخوان». أما الباقي من مفكرين وليبراليين ويساريين، فمجرد ديكور معدِّ لنهايات سعيدة، كما نهاية تروتسكي... فيما أردوغان ينتظر اللحظة المناسبة ليكمل إنشاد قصيدته التي لم يتسنّ له إنهاؤها سنة 1997: «المآذن خنادقنا والصوامع خوذاتنا والمساجد ثكناتنا والمؤمنون جنودنا، والجيش الإلهي يحرس بلادنا...الله أكبر الله أكبر».
حتى بيروت بدأت تلفحها رياح «ثورة» الرؤوس المقطوعة: حزب التحرير يستعد لربيع «الخلافة». والقانون المدني الذي يمنع ضرب المرأة أو اغتصابها، مرفوض مرفوض مرفوض.
أما الدائرة الدولية، فيمكن اختصارها بخبر الغبطة لدى أهل واشنطن، إزاء التقدم الحاصل في مفاوضاتهم مع حركة طالبان، ما قد يبشر باستقبال الملّا عمر في حديقة ورود البيت الأبيض قريباً، على أن يدخلها مستقلاً دراجته النارية نفسها التي هرب بواسطتها من القصف الأميركي على كابول سنة 2002. وقد تحاول واشنطن كل ذلك على خلفية وهمها بتأجيل موعد انهيار إسرائيل بضعة أعوام، فيما هي نفسها ترى ذلك حتمياً، لا بفعل حرب خارجية ولا بسلاح إيران النووي، ولا حتى قنبلة الفلسطينيين الديموغرافية...بل بفعل صراعات المجتمع الإسرائيلي المتفجر، منذ صار عوفاديا يوسف وريث «علمانية» بن غوريون، وليبرمان وصيّاً على «إنسانية» هرتزل...
في ظل هذا المشهد، يدرك البطريرك والرئيس والزعيم أن الخطر غير مسبوق، لا على جماعة لبنانية معينة، بل على كل إنسان وكل الوطن. هكذا يبدو أن التلاقي قد بدأ. وهو تلاق غير معزول عن اتجاهات مطابقة في كل أنحاء العالم المناهض لمغامرة واشنطن الأخيرة، ومقامرتها بدزينة من الشعوب والدول والهويات والأمم، كرمى لعيون قلة «مختارة» ومحتارة. فليس تفصيلاً أن يعلن البطريرك الراعي دعمه الكامل لنجيب ميقاتي وحكومته، وهو متجه إلى الفاتيكان. وليس ثانوياً أن يعلن غبطته من روما، بعد جولته على معظم «الكوريا» الرومانية، وفي محاضرة أمام مؤسسة فاتيكانية جامعة، مخاوفه «على المواطنين عموماً والمسيحيين خصوصاً (...) وفقاً لما ستؤول إليه التظاهرات والاعتراضات في العالم العربي، مع ما تنطوي عليه من مخاوف إذا انتهت الأمور إلى أنظمة متشدّدة طائفياً».
كل ذلك يفرض «اللقاء» المرتقب، أو «الحلف الثلاثي» الجديد. ويفرض عليه وعلى أركانه «التفاهم» مع كل القوى اللبنانية الأصيلة والديموقراطية، حتى تمر العاصفة، ويكتشف البعض في واشنطن أنهم لم يقتلوا بن لادن، بل يستنسخونه. سنة 1958 جاءنا مندوب أميركي في مناورة شهيرة لخداع بيروت وأهلها، من أجل بغداد وحلفها. بعد جولته على مسؤولينا، كتب مورفي الأول معادلته الشهيرة عن البطريرك المعوشي والرئيس شمعون وقائد الجيش فؤاد شهاب. قال إنه وجد بطريركاً يتصرف كرئيس، ورئيساً يتصرف كقائد جيش، وقائد جيش يتصرف كبطريرك. بعد 43 عاماً، إذا زارنا مورفي آخر، ووجد بطريركاً ورئيساً وزعيماً كل في دوره وموقعه، فقد لا تسقط بيروت مرة ثانية في مناورة بغدادية، وقد يكتب مورفي الجديد عن حلف بكركي ـــــ بعبدا ـــــ الرابية: الله أكبر...
الاخبار

No comments:

Post a Comment