Friday, July 29, 2011

فتور ملحوظ في علاقة الراعي مع مسيحيي «14 آذار»محطات في علاقة متميزة بين العونيين وسيّد بكركي
مارون ناصيف
فتح انتخاب البطريرك الماروني الجديد بشاره الراعي الباب أمام مرحلة جديدة من العلاقات بين العونيين وبكركي، لتنطوي مرحلة ضبابية لطالما مالت الى السوداوية
عاشها التيار البرتقالي في عهد البطريرك نصرالله صفير.
إذاً بين اليوم والأمس لا تجوز المقارنة. بالأمس القريب، وتحديداً في كانون الأول من العام 2007، كان النائب في تكتل التغيير والإصلاح نبيل نقولا يتساجل مع
راعي أبرشية جبيل المارونية المطران بشاره الراعي على خلفية مهاجمة الأخير العماد ميشال عون ويقول إن «الراعي ارتكب خطيئة مميتة...»، وفي مناسبة أخرى كان نقولا
يكرر قوله «علاقتنا الروحية بالكنيسة متينة ولكن بالسياسة نختلف مع البطريرك صفير». أما اليوم، فها هو النائب نفسه يعلن الأسبوع الفائت أن البطريركية المارونية
«تقوم بدور فعّال وعلينا أن نلتف حولها».
بالأمس أيضاً، وتحديداً في نيسان من العام 2001، قصد العشرات من العونيين بكركي، منتظرين من سيد الصرح موقفاً داعماً لإطلاق سراح رفاق لهم اعتقلوا امام قصر
العدل على خلفية توزيع منشور في ذكرى الحرب اللبنانية، فخذلهم من على شرفة الصرح بالقول «...عودوا الى مقاعد الدراسة، فنحن لسنا شرّيبي دماء...»، أما اليوم،
فالوفود العونية المهنئة بانتخاب الراعي تواصلت على مدى أسابيع وهي تسمع من البطريرك، ومن دون أن تطلب، مواقف تدغدغ مشاعرها بينما كانت تعتبر في السابق أنها
غريبة عن بكركي.
غيض من فيض هي هذه الأمثلة التي تجسد الصفحة الجديدة من العلاقات المميزة بين الراعي وأكبر تيار سياسي مسيحي، غير أن التطورات التي شهدتها العلاقة المستجدة
خلال تموز الجاري تستدعي التوقف عندها وشرح محطاتها الأساسية التي قد تشكل الحد الفاصل بين بكركي وأفرقاء آخرين.
ففي الثامن من تموز زار وفد من إتحاد بلديات جزين بكركي، للبحث بهواجس المنطقة ومنها هجرة الجزينيين وبيع أراضيهم بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، غير أن
الراعي فاجأ ضيوفه عندما همس في أذني رئيس الإتحاد خليل حرفوش المنتمي الى التيار قائلاً «... لجزين في قلب البطريركية جوهرة وهي البطريرك المعوشي وكل الاحبار
والرهبان والكهنة والراهبات والوجوه الكريمة الوطنية السياسية الثقافية التي اعطتها هذه المنطقة... وهنا لا بد أن اشير الى اننا منذ يومين اتخذنا قراراً بإكمال
مشروع وصية البطريرك المعوشي أي إقامة دار العجزة ونقل رفاته من بكركي الى مسقط رأسه على ان يباشر باتخاذ الخطوات اللازمة من اجل التنفيذ».
وصية المعوشي أو المفاجأة التي قصد الراعي أن يكشف عنها أمام رئيس إتحاد بلديات جزين، تعني الكثير بالنسبة الى العونيين ورئيسهم، إذ أنهم طالما طالبوا السلطات
الكنسية والروحية كما الجزينية المحلية بالسعي الى تطبيقها من دون أن تجد طريقها الى التطبيق العملي، وطالما خاضوا المعارك ضد من حاول بناء فندق على الأرض التي
وهبها الراحل المعوشي وقفاً قبل وفاته وكتب في وصيته وجوب قيام مأوى للعجزة وكنيسة كما قبره عليها.
في 16 تموز من الشهر عينه، حمل رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان الى سيد الصرح مذكرة مالية من 17 صفحة، قال النائب المتني عنها «كان من الضروري
أن نضع الكنيسة بجوهر الملف المالي الذي يرتبط مباشرة بما عانته المناطق المسيحية مما بات يعرف بـ«الإنماء غير المتوازن» الذي شكل أحد أسباب الهجرة المسيحية،
خصوصاً أن الكنيسة تعتبر أن مشروع الدولة هو لحماية المسيحيين، وتعرف تماماً أن مع وجود هذا الكم الهائل من المخالفات لا يمكن ان تبنى الدولة».
المذكرة «الكنعانية» التي تشكل سابقة بحدّ ذاتها، تحمل في طياتها نظرة شاملة لواقع ادارة المالية العامة منذ إتفاق الطائف وحتى اليوم، من كيفية التخلص من الروتين
الإداري والتشريعي، الى معالجة وضع الإدارات المترهلة وإستبدالها بالإدارات الرديفة أو الصناديق، مروراً بخطورة سياسة امتصاص الأموال العامة عبر بدعة سندات
الخزينة، وصولاً الى القسم الثاني منها والمتعلق بوضع الحسابات المالية وبنية الموازنات إضافة الى تجاوزات الإنفاق الحاصلة بين عامي 2006 و2009.
هذه المذكرة تخطت حدود الملف المالي، لتشمل أيضاً تصور العونيين لكيفية إنجاز التعيينات وملء الشواغر، وفي هذا الإطار نقل كنعان عن البطريرك استياءه من الحرب
الإعلامية التي شنها البعض من المسيحيين ضد البعض الآخر على خلفية تعيين المدير العام للامن العام معتبراً أن مثل هذه الحروب تحرق الأهداف المسيحية.
وتقول مصادر كنسية مطلعة أن الراعي بعث عبر قنواته الخاصة برسائل عتب للفريق المسيحي في قوى الأقلية النيابية على قاعدة أن «المزايدة لا يمكن أن تعيد الحقوق
لأصحابها وأن العماد عون إذا كان اليوم في السلطة واسترجع موقعاً ما فغداً قد تكون السلطة لغيره ويبقى الموقع».
أما في 19 تموز، وخلال اللقاء الذي عقده سيد بكركي مع فعاليات جبيل في مدرسة الوردية، وفي الوقت الذي غادر فيه النائب السابق فارس سعيد ورئيس بلدية جبيل زياد
الحواط القاعة قبل أن ينهي الراعي كلمته الإفتتاحية، كان نواب جبيل سيمون أبي رميا ووليد خوري وعباس هاشم يستمعون بإصغاء الى قول البطريرك إن «مشروع الشرق الأوسط
الجديد مستمر لتفتيت العالم العربي بهدف أن تعيش إسرائيل بسلام وأمان». بعدها سرعان ما أشاد الراعي بالنواب الثلاثة، إن لناحية التنسيق القائم بينهم وبين بكركي
وإن لناحية متابعتهم لشؤون المنطقة. دقائق قليلة ليأتي الرد بكلام معسول من النائب هاشم الذي ما أن ختم مداخلته بالطلب من الراعي سحب قضية لاسا من التداول الإعلامي
حتى ردّ البطريرك بهزة رأس إيجابية.
ذروة التنسيق الإيجابي بين العونيين وبكركي جاءت خلال العشاء الذي اختتم فيه الراعي زيارته الجبيلية، إذ يروي النائب وليد خوري أن اقتراحاً عملياً قدمه وزملاؤه
الى الراعي خلال العشاء المذكور ويقضي بعقد اجتماع في بكركي يدعى اليه المعنيون في قضية لاسا بهدف التوصل الى حل لهذه المسألة العالقة منذ العام 1939. فما كان
بسيد الصرح إلا أن تجاوب وبسرعة مع الإقتراح العوني، لتوجه الدعوات في 20 تموز الى كل من نواب جبيل، عضو لجنة المتابعة للقاء الماروني النائب اميل رحمة، النائب
البطريركي على جونيه المطران انطوان العنداري، ممثلي الرابطة المارونية طلال الدويهي وفارس ابي نصر وأندريه باسيل، قائد الدرك بالانابة العميد صلاح جبران ممثلا
وزارة الداخلية، العميد ريشار الحلو رئيس فرع المخابرات في جبل لبنان، وممثلي «حزب الله» غالب أبو زينب وحسن المقداد، إضافة الى ممثلين عن حركة «امل».
هذا الاجتماع الذي اتفق خلاله على تجميد الوضع في البلدة لمدة شهر ونصف الشهر، ومنع أي أعمال بناء قبل انتهاء أشغال المساحة تمهيدا لترسيم الحدود، حرم قوى الأقلية
النيابية من المتاجرة بهذه القضية بهدف إثارة النعرات الطائفية بين المسيحيين والشيعة في جبيل.. حتى أن مرجعاً في الأكثرية قال إن سحب بكركي قضية لاسا من التداول،
شكلت الشعرة التي قسمت ظهر البعير بين الآذاريين وبكركي ما دفع برئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى القول تزامناً مع جهود بكركي لعقد لقاء ثالث بين
الاقطاب الموارنة «سأفكر مرتين قبل الذهاب الى الصرح لأن التجارب السابقة غير مشجعة». لم يقف الموقف السلبي القواتي من مبادرة بكركي التنسيقية مع العونيين،
عند هذا الحدّ، لأن جعجع سرعان ما أصدر موقفاً آخر استهجن فيه مشاركة ممثلين عن «حزب الله» في الإجتماع الذي خصص لقضية لاسا، كل ذلك على خلفية ان علاقة البطريرك
تكون على مستوى إدارات الدولة المعنية فقط.
ثمة قناعة عونية أن قرار الفاتيكان باختيار الراعي خليفة لصفير هو قرار يحمل في طياته دعوة الى اندماج المسيحيين ببيئتهم المشرقية وأن ينفتحوا على الآخر، وأن
يحاولوا صياغة تفاهمات تؤدي الى الحد من هجرتهم وتشجعهم على البقاء في أرضهم.. هذه كلها تعني من وجهة نظر أحد القياديين البرتقاليين أن عصرا ذهبيا تم تدشينه
في العلاقة بين بكركي والرابية.

No comments:

Post a Comment