Monday, July 25, 2011

> العنصريّة ثقافة الغرب الجديدة

العنصريّة ثقافة الغرب الجديدة
نروجيون يضعون الزهور امام كاتدرائية اوسلو أثناء اقامة القداس (كاثال ماك نوفتون - رويترز)

عادت جريمة النروج لتطرح قضية العنصرية إلى الواجهة، بعدما بات اليمين الأوروبي المتطرف يحتل مكانة مهمة في الحياة السياسية، إذ نما في العقد الأخير على ضفاف
فكر اليمين التقليدي، وترعرع على أطروحات حرب الحضارات والهوية الوطنية والعداء للأجانب

بشير البكر

هناك جملة معبرة جداً، تتصدر أحد مواقع الإنترنت الفرنسية المتخصصة في مكافحة العنصرية، تقول «اعلموا جيداً أن الفارق بين فرنسا سنة 1940 وفرنسا اليوم على صعيد
مكافحة العنصرية هو القوانين». يحتمل ذلك أمرين: الأول هو أن العنصرية صارت محكومة بالقانون، مثلها مثل أي اعتداء أو تجاوز آخر. والثاني، أن المسألة لم تشهد
تقدماً ثقافياً على أرض الواقع، لذا يظل القانون هو السبيل الوحيد للوقوف أمامها.

عادت العنصرية إلى الاستشراء من جديد في العقد الأخير، وصارت ظاهرة عالمية تأخذ مسمّيات مختلفة، وصلت الى حد ابتداع حرب حضارات، نظّر لها مفكرو الفكر اليميني
المحافظ في الولايات المتحدة، من أمثال بيرنار لويس، وصاموئيل هنتنغتون. وتكفي زيارة أطفال مدرسة إعدادية في سن الـ 15 في لندن أو باريس أو نيويورك أو موسكو،
حتى يمكن الخروج بصورة مرعبة عن النظرة العدائية، التي تنظر بها المجتمعات الغربية إلى الأجانب، وهي بالطبع نظرة مركبة تتدرج في مستوياتها، وتختلف حسب الوضع
الاجتماعي واللون والدين وتصل حتى الجنس. إن المدرسة التي يفترض بها أن تكون الحاضنة الأولى للاندماج، وتقريب المسافات وتربية الأطفال على القيم الكونية الجديدة،
باتت صورة فاقعة عن المجتمع المريض بالإعلام الموجه، الذي يضخ سمومه على مدار الساعة، وهو يروج لمقولة «الآخرون هم الجحيم».
لقد تقدم الغرب كثيراً على الصعيد القانوني والبيداغوجي العام في مواجهة العنصرية، فإضافة الى حزمة كبيرة من القوانين المحلية والدولية، التي تُحرّم العنصرية
وتعاقب عليها بقسوة، هناك تركيز على توعية المواطن العادي تجاه هذا المرض والتنبيه الى مخاطره، وسبل علاجه، حيث لا تخلو محطة مترو أو موقف باص، أو صالة انتظار
في إدارة عامة أو مستشفى، من ملصقات تظهر بصورة تفصيلية وسائل مواجهة العنصرية، والطرق الواجب على الضحايا اتباعها من اجل تحصيل حقوقهم ورد الاعتبار إلى أنفسهم.
إن انفجار العنصرية على نحو شامل، هو الإفراز الطبيعي لنهاية الحرب الباردة، وسقوط الحدود في أوروبا، وظهور قوى دولية كبرى مثل الصين والهند، وحصول أحداث 11
ايلول/سبتمبر، هذا إضافةً الى عدم تمكن التوعية والتربية من الذهاب نحو جذور هذا المرض لاجتثاثه. لم تعد العنصرية اليوم محصورة في جملة من الأحزاب اليمينية
المتطرفة، التي ترفع شعارات ضد الأجانب لكي تحصد بعض الأصوات في الانتخابات البرلمانية، بل صارت برنامجاً دولياً، وكان يمكن ملاحظة ذلك بوضوح خلال الانتخابات
البرلمانية التي جرت في اكثر من بلد أوروبي خلال السنوات الخمس الأخيرة.
السؤال الذي ظل يطرح نفسه خلال السنوات الماضية هو: لماذا عادت العنصرية لتطل برأسها من جديد، وعلى نحو سافر وقوي، بعدما ساد الاعتقاد منذ وقت طويل، بأن نجمها
أفل مع نهاية الاستعمار في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وصار العالم ينعم تدريجياً بسلام، ويقترب اكثر فأكثر نحو نظرة إنسانية بعيدة عن التمييز، على مستوى
اللون والعرق والدين والجنس؟
إن النظر الى تاريخ الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، يكشف أن العنصرية لم تندثر في حقيقة الأمر مع نهاية الاستعمار، لكنها كانت في طور التراجع بسرعة
شديدة على الصعيدين الثقافي والقانوني، وخصوصاً في الولايات المتحدة، التي بقيت حتى مطلع السبعينات قلعة عصية على التقدم، في الاتجاه الذي حقتته بلدان أوروبا
الغربية، تجاه أحد أبشع أشكال العنصرية وهو العبودية. إن تراجع العنصرية وصل إلى ذروته مع نهاية الحرب الباردة، حين صارت الدساتير تنطلق من المساواة وتحكم على
أساسها، ويلاحظ ذلك من خلال التقدم الذي حققه الأميركيون السود على المستوى الاقتصادي، لكن باستثناء الولايات المتحدة تبين أن هناك سقفاً للأعراق غير البيضاء،
فحتى اليوم لا يمكن أن يتصور أي أوروبي أن يكون وزير خارجية بلاده من اصل عربي او أفريقي أو مسلم، فيما حققت الولايات المتحدة ذلك مرتين خلال حكم المحافظين
الجدد، ولم تتمكن دولة مثل فرنسا، تعدّ نفسها مهد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من تعيين حتى مقدم نشرة أخبار تلفزيونية من اصل عربي او أفريقي، ولا أن تنتخب
في برلمانها نسبة واحد في المئة من الفرنسيين المنحدرين من أصول عربية وأفريقية ومسلمة، بل إن السود الفرنسيين من الأنتيل وغوادلوب يجري النظر اليهم كأجانب
حتى اليوم، رغم أنهم فرنسيون منذ أربعة قرون.
لقد تأكد أن مرور نصف قرن على تصفية الاستعمار، ليس كافياً لتجاوز الحاجز العنصري في بعض البلدان الأوروبية، لذا بقيت قضية المساواة والاندماج والمواطنة تتقدم
ببطء شديد، وتتعرض لانتكاسات حادة في بعض الأحيان، الأمر الذي ولّد مشاعر مضادة من الطرف الآخر، مبعثها الإحساس بالتهميش والإقصاء والتمييز على مستوى الفرص.
فالشباب الجدد الذين ولدوا في المهاجر الأوروبية، واكتسبوا جنسيتها، صاروا اكثر صلة بهذه الأوطان، وبقيت صلتهم بأوطان الآباء والأجداد رمزية، لا تتعدى تمضية
العطلة الصيفية، لكن الوطن الجديد ظل ينسبهم الى الضفة الأخرى، ويخلق لهم تسميات لعزلهم على المستوى الاجتماعي والثقافي والوظيفي.
معطيات جديدة
في هذا الوقت جاءت نهاية الحرب الباردة، في لحظة كانت فيها المعادلة في طور الانتقال الى مستوى جديد من التفاهم، لإيجاد تسوية تقوم على «الاندماج» التدريجي
في طريق تحقيق المساواة، وتصفية بقايا التمييز. كان ذلك في نهاية الثمانينيات، حين انهار جدار برلين، وتفكك الاتحاد السوفياتي، واندلعت فيه الحرب العرقية في
يوغسلافيا، التي تحولت خلال وقت قصير الى حرب عرقية من جهة، وحرب دينية من جهة أخرى، وفي هذا الجو أيضاً أخذت أوروبا، التي كانت تسير جنوباً، في تغيير اتجاهها
نحو الشرق، فصارت تسقط الحدود تدريجياً بين بلدان القارة، وكان ذلك يجري على حساب الطرف الآخر من البحر المتوسط وأفريقيا.
إن الملاحظ هنا، هو أن نهاية الحرب الباردة كانت إيذاناً بعودة العنصرية على المستوى الدولي، في صورة استقطابات سياسية واقتصادية وثقافية. وكان ذلك ينطلق من
جملة من المعطيات والحسابات: الأول، هو اتجاه أوروبا أكثر نحو التكتل في ما بينها كناد اقتصادي وجغرافي وثقافي، وكلما كان هذا التقارب يزداد حدة، خف التبادل
في الاتجاه الآخر، وأصبح ذا بعد أحادي، لذا أخذ الاستعمار يعود في رداء غزو السلع والإعلام العابر للقارات، وعلى سبيل المثال، فإن «مسيرة برشلونة»، التي أُقرّ
ميثاقها سنة 1995 بين الاتحاد الأوروبي والبلدان المتوسطية، لم تتقدم قيد أُنملة حتى الآن بسبب النظرة الفوقية والضيقة للأوروبيين، فهم لم يخصصوا لإطلاق قطار
هذه المسيرة سوى خمسة مليارات يورو، على مدى خمس سنوات، فيما رصدوا لإعادة إدماج بلدان أوروبا الشرقية موازنة تفوق ذلك بأكثر من عشرين ضعفاً.
إن التأثير المباشر لهذه الخطوة، هو أنّ فتح الحدود مع أوروبا الشرقية، والعمل بالعملة الأوروبية الموحدة، قد أديا الى مفاعيل سلبية على المستوى الأوروبي الداخلي،
الأمر الذي انعكس في اتجاه تصاعد مد العنصرية، فهي بعدما كانت محصورة في نطاق سياسي ضيق، مثل حزب «الجبهة الوطنية» العنصري في فرنسا والحركات اليمينية المتطرفة
في بريطانيا وألمانيا وايطاليا، صارت تأخذ أبعاداً مجتمعية واسعة، إذ إنّ أصحاب المهن الحرة الصغيرة في البناء والشؤون المنزلية في أوروبا القديمة، الذين خسروا
أعمالهم بسبب مزاحمة الأيدي العاملة الرخيصة الآتية من أوروبا الشرقية، التفتوا نحو المهاجرين وحملوهم مسؤولية شقائهم، وبذلك نشأ جو من العداوة والتناحر، بدأ
فيه رصيد اليمين العنصري يصعد الى مستويات قياسية، مثلما حصل في فرنسا، التي كانت في بدايات الثمانينات خالية من الأحزاب العنصرية، وصارت اليوم تعد نحو أربع
حركات، بعضها يقدم مرشحين لرئاسة الجمهورية، مثل جان ماري لوبين أو فيليب دوفيلييه، الذي تعد القضية الأساسية على جدول أعماله، هي رفض دخول تركيا الى الاتحاد
الأوروبي لأنها بلد مسلم، ويمكن هنا تسجيل ملاحظة على درجة كبيرة من الخطورة، وهي التنافس بين مرشحي اليمين الفرنسي على أصوات ناخبي الكتلة العنصرية، التي صوتت
بكثافة لنيكولا ساركوزي لاعتقادها أنه سوف يحكم ببرنامج عنصري.
إن تأجيج العداء للأجانب بوصفهم سبب مشاكل الدول الغربية، هو المغذي الفعلي للعنصرية، وقد أضاف ساركوزي بعداً جديداً إلى المسألة من خلال إنشاء وزارة خاصة بـ
«الهوية الوطنية والهجرة»، ورغم أنه ألغاها منذ عدة أشهر فإنه قاد المسألة نحو أفق حضاري وتاريخي، حيث بدا أن الهوية الفرنسية باتت مهددة من طرف المهاجرين.
إن الواضح هنا هو أن الأسطوانة التي ترمي مسؤولية البطالة على ظهور المهاجرين العرب والمسلمين لم تعد تطرب وحدها، لذا جُرّ الفرنسيون نحو نغمة الهوية. وفي الحقيقة
فإن المهاجرين لا دور لهم في الجانب الأول، حيث إنّ فرنسا خسرت منذ سنة 1980 نحو خمسة ملايين فرصة عمل، منها 2 مليون في قطاع الصناعة، و2 مليون في قطاع الزراعة،
ومليون في بقية القطاعات، ولا يعود ذلك الى أن المهاجر حل محل الفرنسي، بل لأن فرنسا شهدت تحولات بنيوية على صعيد اقتصادها نفسه، فلماذا يرمون مسؤولية تراجع
سوق العمل على ظهور المهاجرين، فيما المزاحمة في هذا السوق قائمة مع المنتجات القادمة من أوروبا الشرقية والولايات المتحدة والصين.
والمعطى الثاني في هذا الميدان، هو ظهور قوى اقتصادية كبرى قادرة على المزاحمة، مثل الصين، التي أخلّت في السنوات الأخيرة بميزان التبادل التجاري مع الولايات
المتحدة لمصلحتها، وفي الوقت الذي كان فيه النزاع الأميركي الصيني يدور في السابق قبالة سواحل تايوان وفي بحر الصين، نقلت بكين اليوم المعركة الى داخل الولايات
المتحدة وأوروبا وأفريقيا. لقد أصبح الصيني يثير الخوف، لذا انطلقت ماكينة العنصرية تجاهه هو الآخر، فرغم أن الغربيين لا يكفون عن الإشادة بالحضارة الصينية،
فإنهم لا يزالون ينظرون الى الصينيين بفوقية واستعلاء عنصري، ويسعون بشتى الوسائل إلى خلق حالة من التوتر المستمر بين الصين واليابان، للحيلولة دون تمدد الصين
نحو جغرافيات أوسع كما هي الحال في أفريقيا، حيث يدور تنافس كبير على نفط القارة وموادها الأولية.
أما المعطى الثالث، فقد تمثل في ظهور تنظيرات عنصرية في نهاية الحرب الباردة من طرف لويس وهنتنتغون، تقول إنه مع نهاية الشيوعية، صار العدو الجديد للغرب هو
الإسلام. وقد جاء هذا الطرح في فترة كانت تزداد فيها حدة الخلاف بين الولايات المتحدة وحلفائها من الأطراف الإسلامية، خلال الحرب ضد السوفيات في افغانستان،
وهو الذي قاد في نهاية الأمر الى مواجهة استمرت طيلة عقد التسعينات، حتى انتهت بأحداث 11 سبتمبر، التي كانت لها تأثيرات سلبية جداً على العرب والمسلمين في كافة
الدول الغربية، وظهرت نتائجها السلبية في عدة أشكال: الأول، صار العربي والمسلم يثيران الخوف والريبة ولا يمكن الوثوق بهما، حتى إن بعض الدول صارت تسرّح عمالاً
في المطارات لمجرد كونهم مسلمين، مثلما حصل في فرنسا. والمظهر الثاني، هو سن جملة كبيرة من القوانين للتضييق على الحريات، وسُحب الكثير من الامتيازات، التي
حققتها الجاليات بفضل كفاحها الطويل وصبرها وتضحياتها في الغرب. ويتجلى المظهر الثالث في تركيز اليمين العنصري والصهيوني على استثمار الحدث إعلامياً، من أجل
تشويه صورة العربي والمسلم.
وسط هذه التحولات التي شهدها العقد الأخير صارت العنصرية ثقافة غربية بامتياز عزز منها أطروحة الهوية الوطنية والخوف من الآخر.

بريطانيا تعيد تقويم الرد على التهديدات

أعلن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، أمس، أن حكومته ستعيد تقويم طريق الرد على التهديدات الإرهابية بعد هجمات النروج. وقال هيغ، في حديث له، إن مجلس الأمن
القومي التابع للحكومة البريطانية سيجتمع اليوم لـ«ضمان إيلاء الاهتمام الكافي لجميع أشكال الإرهاب، والنظر في الدروس التي يمكن استخلاصها من الهجمات في النروج».
وأضاف: «إن تنظيم القاعدة لا يزال يمثّل، في جميع التقويمات، أكبر تهديد إرهابي لنا ولحلفائنا، والأحداث التي وقعت في النروج يجب ألّا تجعل الناس يعتقدون أن
الإرهاب المستوحى من القاعدة لم يعد يمثّل تهديداً». لكن هيغ أضاف أن استراتيجية المملكة المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب ترى أن إرهاب القاعدة «ليس الشكل الوحيد
من أشكال التهديد الذي تواجهه بريطانيا، وهذا يتطلب اليقظة دائماً من الجمهور والتفكير بصورة مستمرة من جانب الحكومة في حالة جديدة أو نوع جديد من التهديد للتأكد
من أننا نعد أنفسنا لذلك».
(يو بي آي)
الاخبار/
www.al-akhbar.com[6]
http://www.al-akhbar.com/
www.al-akhbar.com [6]العدد ١٤٧٠ الاثنين ٢٥ تموز ٢٠١١دوليات
list of 2 items
العدد ١٤٧٠
دوليات
list end

مقالات
«الأخبار»
متوفرة تحت رخصة
المشاع الإبداعي
، ٢٠١٠
(يتوجب نسب المقال الى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية - يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص)
لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي،
انقر هنا

Creative Commons License

من نحن |
وظائف شاغرة |
للإعلان معنا |
شروط التعليق |
إتصل بنا |
أرشيف الأعداد |
سينما

online@al-akhbar.com

Source URL:
http://www.al-akhbar.com/node/17358

Links:
[1] http://www.al-akhbar.com/node/15809
[2] http://www.al-akhbar.com/node/15754
[3] http://www.al-akhbar.com/node/15161
[4] http://www.al-akhbar.com/node/14881
[5] http://www.al-akhbar.com/node/14769
[6] http://www.al-akhbar.com/

No comments:

Post a Comment