Saturday, August 27, 2011

> جنبلاط يستعيد جمهوره

جنبلاط يستعيد جمهوره
يرفض جمهور جنبلاط الاشتباك السياسي مع جمهور تيّار المستقبل (أرشيف ــ مروان طحطح)

يرتاح جمهور الحزب الاشتراكي إلى مواقف النائب وليد جنبلاط الأخيرة أكثر من ارتياحه إلى المواقف التي صدرت عن رئيس الاشتراكي في 2 آب 2009، وهو تقبّل هذه المواقف
«بيوم واحد، بينما احتجنا إلى أكثر من سنة لنقنعه بالموقف القديم»، كما يُردّد عدد من الناشطين الاشتراكيين

ثائر غندور

يروي أحد الشباب الناشطين في منظمة الشباب التقدمي الكثير عن الموقف الصعب الذي وُجدت فيه القيادات الوسطى في الحزب التقدمي الاشتراكي بعد 2 آب 2009. في ذلك
اليوم، أعلن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الخروج من التحالف مع قوى 14 آذار. قبل ذلك بأشهر قليلة، كان بعض المقرّبين من جنبلاط يسمعون تمنّيه
ألا تفوز قوى 14 آذار في انتخابات المتن الشمالي، أو في دوائر أخرى. كان حديث جنبلاط هذا خلال وجوده في مقر الماكينة الانتخابيّة لحزبه يُشير إلى أن الرجل لا
يودّ لفريق أن يمسك الأكثريّة النيابيّة بالكامل. كان الخيار السياسي محسوماً في رأس الرجل.
مغزى هذه الرواية بالنسبة إلى راويها هو أن وليد جنبلاط يعمل انطلاقاً من اقتناعات موجودة في رأسه من دون أن يتشاطرها مع أحد.
لكن من عايش جنبلاط لعشرات السنوات، وراقب عمله السياسي، بات يستطيع توقّع ما الذي يُفكّر فيه. هذا ما يفعله عدد من مجايليه من أنصاره. ينتسب بعض هؤلاء إلى
الحزب التقدمي الاشتراكي، فيما يكتفي بعضهم الآخر بأن يكونوا جزءاً من الحالة الجنبلاطيّة. وفي الحالتين، عملوا كثيراً منذ الثاني من آب 2009، لإعادة تصويب
خيارات جمهور وليد جنبلاط بعد أن أنجز الأخير تحوّله السياسي.
احتاج الأمر إلى أكثر من عام لضبط الاعتراض على خيار التحالف مجدداً مع المقاومة. بقيت تُسمع أصوات كثيرة عن أهميّة العلاقة مع قوى 14 آذار. سمع جنبلاط نقداً
لم يسمعه يوماً من داخل مؤسسته الحزبيّة، ثم انقضى الأمر على خير.
أمّا اليوم، فبات الجمهور أكثر التصاقاً بزعيم المختارة. أدّت أحداث سوريا ومواقف جنبلاط منها الدور الرئيسي في هذا الأمر. يشعر اليوم هذا الجمهور أن زعيمهم
لا يزال قوياً. يُمكن سماع هذه العبارات بسهولة في «الشارع الاشتراكي». وقد تكون عبارة أحد المسؤولين الاشتراكيين أكثر من معبّرة: «احتجنا إلى أكثر من سنة لنقنع
جمهورنا بموقفنا في آب 2009، ولم نحتج إلى أكثر من يوم ليقتنع جمهورنا بما يقوله الرئيس (جنبلاط) عن سوريا». فالمناخ المسيطر اليوم في الوسط الاشتراكي هو مناخ
متضامن مع المعارضة السورية في مواجهتها مع نظامها. وإعلان الوسطيّة هو الأكثر قبولاً. وقد يكون كلام النائب أكرم شهيّب الأكثر تعبيراً حين قال في مقابلة إذاعيّة:
«التموضع السياسي الجديد للنائب وليد جنبلاط هو أن يكون واسطة خير لمنع أي فتنة في لبنان ولمنع انتقال ما يجري في سوريا إلى لبنان. عندما خرجنا من 14 آذار لم
نذهب إلى 8 آذار، وإن موقعنا الوسطي يجعلنا أحراراً في أخذ قرارنا». كذلك فإن شهيّب لم يوافق على اتهام تيّار المستقبل بالميليشيا المسلّحة، ويرى أن الاتهامات
بتهريب السلاح إلى سوريا اتهامات إعلاميّة.
يُعبّر شهيّب في كلماته هذه بوضوح عن الشارع «الدرزي» الذي يرفض تماماً الاشتباك مع جمهور تيّار المستقبل، ولو كان الاشتباك سياسياً. بعض جمهور وليد جنبلاط
قلق أكثر من زعيمه من تأثير هذا الأمر على الانتخابات النيابيّة وعلى صوت إقليم الخرّوب الوازن في انتخابات قضاء الشوف. لكن في العُمق، يرفض هذا الجمهور المواجهة
مع المستقبل، لأنه لا يزال مرتبطاً عاطفيّاً مع هذا المكان، مثلما أن الحديث عن الوسطيّة بما تعنيه من غياب للتحالف الكامل مع فريق 8 آذار، يُشعر هذا الجمهور
بالمزيد من التفلّت من القيود.
هذا من جهة. من جهة أخرى، يظهر الاشتراكيّون زهوهم بجنبلاط، وهم الذين يشعرون بأن تصريحه بعد الاعتداء الذي حصل على عدد من المتظاهرين أمام السفارة السورية
في شارع الحمرا والذي رفض فيه تحويل بعض شوارع العاصمة إلى مربعات أمنيّة، أعاد التأكيد على تموضع هؤلاء الذين يُفاخرون بأنهم في فترة زمنيّة كانوا يتظاهرون
ضدّ حكومة فيها وزراء لحزبهم (رغم أن وزراء الحزب كانوا يُصوّتون في كثير من الأحيان ضدّ ما يتظاهر من أجله هؤلاء، وهو ما يتكرّر اليوم في الموقف الرافض للنسبيّة).
بعد ثلاث سنوات وأيّام قليلة على إعادة تموضع وليد جنبلاط، اقتنع جمهوره أكثر بنظريّته التي يُترجمونها بعبارة واحدة: «نحن أقليّة ولا نُريد أن نكون ضحيّة صراع
الأكثريّات»، بعدما كان هؤلاء في مرحلة يرون أنفسهم من يقود الحراك السياسي في لبنان.
في الشوف مثلما في عاليه، أخبار سوريا تتصدّر الواجهة. هناك من يتحدّث عن بضع قرى يصل عددها إلى 14 قرية درزيّة في محافظة إدلب «تسبح في وسط سنّي، ولا يصل عدد
الدروز فيها إلى عدد سكان قرية سنيّة واحدة»، يقول أحد رجال الدين الدروز ممن يُتابعون ملف أبناء طائفته في سوريا. هو بالتالي ينصح من يأتيه من بلاد الشام نصيحة
واحدة: «لا تستعدوا أحداً. لا تكونوا من النظام ولا من معارضيه».
هنا يعود وليد جنبلاط إلى الواجهة: لا تحالف ولا عداء مع أحد. إنها نظريّة «المستديرة» (على الطرقات) كما يرويها أحد الظرفاء، وهي تُختصر بالآتي: الدوران حول
المستديرة من دون سلوك مفرق محدد، إلى أن يجري التأكّد من وجود مسلك آمن.

No comments:

Post a Comment