Saturday, August 27, 2011

جبالة ذوق مصبح أقوى من البلدية وفوق القانون

حصلت (أو "استحصلت") "مؤسسة رشيد الخازن" من وزارة الصناعة على رخصة انشاء رقمها 3098/ت في تاريخ 17/2/2011، للشروع في تشييد معمل للباطون الجاهز (الجبّالة)
على ارض تابعة لزوق مصبح عقارياً وواقعة في منطقة مصنفة للصناعات "غير المزعجة او المضرة". علماً أن المطلوب من اي مؤسسة صناعية الحصول على رخصة انشاء ثم على
رخصة بناء ليكتمل ملف الترخيص لها. "الصناعات غير المزعجة او المضرّة"، قانوناً، وبحسب المحامي جاك عقيقي مفنّدة بالتفصيل في لائحة واضحة لا يرد فيها اي ذكر
لمعامل الباطون الجاهز.

وفق القرار التطبيقي الرقم 176/1، الصادر عن وزير الاشغال العامة والنقل بتاريخ 17/11/1977، للتصميم التوجيهي العام اعلاه. ففي هذه اللائحة لا تذكر معامل جبل
الباطون، اولا لانها لم تكن موجودة آنذاك، وثانيا لانها مزعجة جداً ومضرة كثيرا والمعامل الوحيدة المدرجة في اللائحة وذات الصلة بالاسمنت هي "معامل الطوب...
ومصبوغات الاسمنت".
النتيجة الأولى: قرار وزارة الصناعة مخالف للنص القانوني.
وكانت "إلكا" قد تقدمت قبل 4/10/2010 بطلب رأي بلدية ذوق مصبح حول طلب ترخيص معمل للباطون الجاهز في العقار المصنّف المذكور، فرفضت البلدية في جلسة مجلسها بتاريخ
20/10/2010، بموجب القرار رقم 95/م ب، وبناء على قانون البلديات (لا سيما المادة 51 منه)، إعطاء الترخيص وقررت احالة القرار الى وزارة الصناعة (تحت الرقم 3494)
مع عدم الموافقة وجاء في تعليل قرار الرفض: 1) عدم ورود معامل الباطون الجاهز  في اللائحة القانونية الواردة في القرار التطبيقي؛ 2) عدم قدرة الطريق المؤدية
الى موقع الجبالة على استيعاب ضغط الآليات ذات الصلة (الشاحنات والصهاريج وناقلات الباطون) لضيق عرضها، فضلاً عن التشويه المستمر الذي ستتكبده؛ 3) زحمة السير
الخانقة التي ستتولد على امتداد الطريق المؤدية الى الجبالة، وهي غير نافذة على الطريق العام والوحيدة المستعملة للخروج من المنطقة الصناعية المحيطة بالجبالة؛
4) وقوع العقار المذكور على تخوم منطقة سكنية، وضرره على البيئة الطبيعية والبيئة السياحية والسكنية.
النتيجة الثانية: قرار بلدية ذوق مصبح مطابق للنص القانوني.
وقد ابلغت البلدية، في 30/10/2010 محافظ جبل لبنان، ووزارة الداخلية والبلديات، ووزارة البيئة، ووزارة الصحة العامة، ووزارة الاشغال العامة والنقل، قرارها القاضي
بعدم الموافقة على منح تراخيص للجبالة.
وفي الشهر التالي، تشرين الثاني 2010، وقّع نحو الألف شخص من مالكي وشاغلي الابنية المجاورة لعقار الجبالة على عريضة موجّهة الى بلدية زوق مصبح وداعمة لقرار
الرفض، نظراً الى الاضرار الفادحة التي ستلحق بمحيطهم وبمنطقة ذوق مصبح عموماً لو انشئت الجبالة. وجاء في متن العريضة: 1) تلويث المحيط بالغبائر والاوساخ؛ 2)
تعريض الطريق المؤدية الى الجبالة للتحفير المستمر نتيجة ثقل مختلف الآليات المستعملة لاعمال الجبل؛ 3) تسرب السوائل الملوثة من المعمل على غرار السوائل التي
تتسرب عادة من إلكا – جعيتا وتتسبب بحوادث مميتة على الطريق العام زوق مصبح – عجلتون؛ 4) ضيق الشارع المؤدي الى الجبالة واكتظاظ المنطقة المحيطة بالمحلات والمصانع،
ووجوب عدم اثقالها بهذا النوع من المعامل.
النتيجة الثالثة: اهالي ذوق مصبح الى جانب قرار المجلس البلدي.
أولى المفاجآت كانت في 11/4/2011، حين عرفت بلدية ذوق مصبح ان وزارة الصناعة أصدرت رخصة انشاء للجبّالة خلافاً لرأي المجلس البلدي عن هذا الموضوع والمبلَّغ
الى الوزارة في حينه. فأرسلت البلدية كتاباً استيضاحياً الى وزارة الصناعة بتاريخ 31/3/2011 (الرقم 1001)، وتلقت رداً من المدير العام لهذه الوزارة في 11/4/2011
يؤكد فيه منح رخصة الانشاء للجبّالة بتاريخ 17/2/2011 تحت الرقم 3098/ت، ويرفقه بنسخة عن الترخيص. ويلاحظ ان هذه الرخصة اعطيت عندما كانت الحكومة اللبنانية
في فترة تصريف اعمال.
ورداً على الخطوة غير القانونية من وزارة الصناعة، اتخذ المجلس البلدي في 13/4/2011 قراراً خوّل فيه رئيس البلدية اتخاذ الخطوات اللازمة من دعاوى ومراجعات قضائية
لدى مجلس شورى الدولة لإبطال رخصة الإنشاء.
لكن وزارة الصناعة تمنّعت عن تزويد البلدية نسخة عن رأي لجنة الترخيص الصناعية في محافظة جبل لبنان المثبت في محضر اجتماعها بتاريخ 12/11/2010. وهو الذي يستند
اليه قرار الوزارة لمنح رخصة الانشاء. والحجة هي ان رأي اللجنة مستند إداري داخلي يتعذّر تسليمه، لكنها زوّدت البلدية استشارة المجلس الاعلى للتنظيم المدني،
وفيها يؤيد هذا المجلس منح رخصة الإنشاء بسطر واحد لا يحمل فيه اي تبرير معقول وينطوي على مخالفات قانونية. ويرى المجلس، بحسب التبرير الصادر في 8/2/2011، "ان
النظام المعمول به في المنطقة يسمح بإنشاء المؤسسات المصنّفة من الفئة الثانية الواردة في المرسوم الرقم 4917/94 بغضّ النظر عن التصنيف الوارد بالمرسوم 5243/2001".
وتصنَّف معامل باطون الخلط، بحسب المرسوم 4917/94، من الفئة الثانية حصراً بغض النظر عن مواصفاتها، فيما تصنيفها موزّع على فئتين في المرسوم 5243/2001: فئة
ثالثة إذا كانت طاقتها الانتاجية منخفضة (اقل من خمسين ط/ ي)، وفئة ثانية إذا كانت الطاقة الانتاجية مرتفعة (اكثر من خمسين ط / ي). ويتضح مما تقدم ان المجلس
الاعلى للتنظيم المدني اراد "شرعنة" إنشاء معامل باطون الخلط المرتفعة الانتاجية في المنطقة (المصنّفة B3) بكلمات غامضة وغير موفّقة، مع ان هذه الشرعنة ليست
من صلاحيته، بل من صلاحية وزير الاشغال العامة، ناهيك عن التجاهل الفاضح لكون هذا النوع من الصناعات مندرجاً، على وجه التأكيد، في فئة الصناعات المزعجة والمضرّة،
وهذا ما يجب ان يكون، في الاصل، المقياس الاول للتقرير في هذا الموضوع".
إزاء هذا تقدمت البلدية بطلب مراجعة لدى مجلس شورى الدولة في 10 حزيران 2011 لإبطال رخصة الإنشاء المعطاة لجبّالة "إلكا" مع طلب وقف التنفيذ. وقد تبلّغ المدّعي
العام طلب المراجعة هذا في 25 تموز 2011. أما سبب طول المدة بين تقديم الدعوى وتبليغها للمدعي العام فهو تهرُّب المدعى عليه مراراً من تسلّم التبليغ.
في المقابل، تقدمت "إلكا" استناداً الى رخصة الانشاء، بطلب الى بلدية ذوق مصبح في 4/6/2011 من اجل الاستحصال على رخصة بناء (الطلب مسجل لدى البلدية تحت الرقم
1730) بعد ان ارتكبت عمداً، في هذه الاثناء، مخالفة بناء عبر القيام بأعمال حفر وصبّ قبل الاستحصال على التراخيص القانونية بذلك.
ردّت البلدية بطريقتين: 1) نظّمت شرطة البلدية محضر ضبط مخالفة بناء بحقّ "إلكا" في 30/7/2011 وتضمن المحضر وصف للمخالفة على الشكل الآتي: "حفر وصبّ باطون ارض
وشيناجات على العقارات الرقم 1482، 1483، 1507، من منطقة ذوق مصبح العقارية، وذلك بدون ترخيص مسبق وفقاً لما تفرضه القوانين المرعية الاجراء"؛2) رد رئيس بلدية
ذوق مصبح على طلب رخصة البناء بالرفض في كتاب تاريخه 1/8/2011. وجاء في اسباب الرفض: 1) عدم تمكّن البلدية من إعطاء رخصة بناء قبل ان يبتّ مجلس شورى الدولة
بالمراجعة التي تقدمت بها البلدية لإبطال رخصة الإنشاء؛ 2) وجود مخالفة بناء على العقارات المذكورة.

أخطار بيئية
ستنتج الجبالة، بحسب الخبير البيئي والجيولوجي د. ولسن رزق، نوعين من الانبعاثات: 1) تلك المتأتية عن احتراق الفيول؛ 2) غبار البحص والرمول والترابة أثناء عملية
الجبْل. ستضاف انبعاثات الفيول الى مثيلاتها الصادرة عن معمل الذوق الحراري لانتاج الكهرباء، وستساهم في زيادة نسبة الكبريت في الجو (2% كبريت هي النسبة الاسمية
الموجودة في الفيول، 4 – 5 هي النسبة الحقيقية)، ومن ثم في زيادة اضرار الامطار الحمضية (Acid Rains) التي تهطل على المنطقة. وستغطي انبعاثات غبائر البحص والرمل
والترابة محيط الجبالة بطبقة مضرة للبيئة، لكونها تجعل التربة غير صالحة للزراعة نهائيا، عدا عن توسيخ المباني وتلويث الهواء. والسكان الذين يقطنون في دائرة
شعاعها 500 متر تقريباً سيتعرضون لأمراض هي ذاتها امراض عمال الجبالات، اي انهم رهائن في قبضة هواء الجبالة العالي التلوث، اضافة الى الضجيج الهائل للقريبين
من موقع الجبالة. والاخطار الصحية المحدقة بهؤلاء هي، على سبيل المثال لا الحصر، وبحسب الطبيب برنار ورده السعال المزمن، الشد في الصدر، الحساسية الجلدية، احمرار
العين، الربو، اوجاع الرأس المزمنة. وتنخفض المناعة الجسمية لدى المدخنين تجاه هذه الأمراض بنسبة عشرة اضعاف.
وعند غسل بطن الجبالة دورياً لتنظيفها من بقايا الاسمنت، تكون المياه المبتذلة شديدة الخطورة على البيئة، اذ تتيح رغوة تميت الارض، وتتلف الزرع، وتلوث المياه
الجوفية، وابرز دليل على ذلك الاضرار الفادحة التي مسّت الطبيعة في محيط جبالة إلكا – جعيتا.
هناك تلوثان آخران ستنتجهما الجبالة: 1- التلوث البصري، لأن الجو في ذوق مصبح سيصبح دائم الضبابية (Cement Fog) بسبب الغبار المنبعث ليلاً نهاراً، 2- التلوث
الصوتي على المحيط الاقرب، بسبب الضجيج الدائم للجبالة وللآليات الوافدة اليها والمغادِرة منها.
يجمع الخبراء على أن جبالات الباطون يجب ان تنشأ بعيداً من البيوت السكنية على مسافة 500 م على الاقل، وكل منزل في مسافة دون ذلك يتعرض لضررها المباشر.
يذكر ان المواصفات الدنيا المطلوبة لمراكز اقامة الجبالات: 1- عدم وجود مياه جوفية في محيطها، 2- عدم وجود زراعات او احراج في محيطها، 3- عدم وجود معالم اثرية
او بيوت عبادة في محيطها، 4- بيوت السكن يجب ان تبعد عنها 500 م خط نار على الاقل، 5- عدم جواز انشائها في مناطق جبلية كي لا تذهب مياهها المبتذلة في الوديان
وتقضي على الحياة فيها، ضرورة تجهيزها بمصاف عالية الجودة لتنقية الانبعاثات والمياه المبتذلة، 6- ان تكون مساحتها الدنيا خمسة آلاف متر مربع.

أضرار اقتصادية
يلفت مهندس بلدية ذوق مصبح، ميشال عقيقي الى ان مساحة العقارات المرصودة للجبالة هي بحدود 2300 متر مربع. ما يعني ان احتمالات التعدي على املاك الغير عالية
جدا ليحشر تجهيزاته (اهراء الترابة، تجهيزات الجبل، اكوام البحص والرمل، الخ...) ولتأمين اماكن لركن الآليات. والمساحة التي استباحتها "إلكا – جعيتا" على املاك
لوقف دير مار الياس – الراس بدون اي مسوغ قانوني، تبلغ خمسة عشر الف م.م تقريباً، وفق الدكتور رزق.
ولا تقتصر الانعكاسات على ذلك، فهناك اضرار فادحة في الطرقات العامة، سيُجبر البلدية على صيانة هذه الطرقات مرتين في السنة على الاقل، فيضطر المكلفون في ذوق
مصبح الى دفع رسوم اضافية من جيوبهم لتمويل مصالح فرد واحد. اضافة الى شرشرة الباطون على الطرقات العامة، وعجقة السير المرعبة. اما فرضية حلحلة هذه العجقة عبر
مشروع استكمال طريق ثانية، ضيّقة اصلا، من جهة المنطقة الصناعية (هذا اذا استُكمل)، فتبقى على كل حال كذبة موصوفة. اما الاثر الاكبر فسيكون في انخفاض اسعار
العقارات والمباني المحيطة وتلك الموجودة في ذوق مصبح بوجه عام بنسبة تراغوح بين 255 و30% كتقدير أولي. ولا يقل عن ذلك اهمية ما يمكن ان يُدرج تحت عنوان الاضرار
السياحية، والاضرار على الصناعات المحيطة.

يوسف كمال الحاج     

No comments:

Post a Comment