Saturday, August 27, 2011

> جولة في كوابيس جعجع

جولة في كوابيس جعجع

في ما يأتي محاولة للتسلل إلى دماغ الدكتور سمير جعجع وتصوير آخر كوابيسه. تقرير استشعاري انطباعي كمعظم ما يُكتب هذه الأيام. وهو قابل للتصديق وغير قابل، طبعاً،
للتكذيب

غسان سعود

يُروى في أحد المجالس الكسروانية العامرة دائماً، عن استيقاظ سمير جعجع أخيراً على كابوس حقيقي. تراءى له في نومه خليفة البطريرك صفير يترأس طاولة في بكركي،
يجلس هو وآخرون ـــــ لا وحده ـــــ حولها. رأى نفسه جالساً إلى يسار الرئيس أمين الجميّل، يجتهد ليقاطع بطريركَي الكنيسة والسياسة في أحاديثهما المتشعبة التي
لا تعير هواجس جعجع أي اهتمام.
بطريرك يضحك لميشال عون؛ أي كابوس هو هذا! التقط أنفاسه، غمر وسادته وعاد يحاول النوم. لكن فجأة، لاح كابوس جديد: كان جعجع يتنقل بين المواقع الإلكترونية حين
وقع على صفحة الموقع الإلكتروني لحزب القوات اللبنانية. عبثاً بحث عن انتقاد جدي للعونيين أو «لمعة» في ما يخصّ حزب الله أو صفعة قوية للنظام السوري. أعاد التأكد
من اسم الموقع، ظنها صفحة «فرح العطاء». هاتف في نومه مدير الموقع طوني أبي نجم، سأله كيف سيعبئ الأنصار وتأكل القوات الأخضر واليابس بموقع فاتر كهذا. فذكره
أبي نجم بأن مهادنة العونيين جزء من اتفاق بكركي، والسقف في كل ما يتعلق بحزب الله يحدده جعجع نفسه، أما الحذر الشديد في التعامل مع التطورات الإقليمية، ولا
سيما الملف السوريّ، فجزء من استراتيجيا القوات اللبنانية العامة. استيقظ «الحكيم» مذعوراً مرة أخرى.
لا يكره جعجع شيئاً أكثر من أن يجبر على ارتداء ثياب غيره: سمير جعجع أنا أم سمير الجسر؟ إلى النوم مجدداً وكابوس جديد: رأى سبابة كفه اليمنى مقطوعة. ففي ظل
أفول الدور السعودي السياسي في المنطقة والمالي في لبنان، وعدم عودة سعد الحريري إلى بيروت، حتى في شهر رمضان، وتفضيل القيادة القطَرية العماد ميشال عون مسيحياً
على جعجع، وانشغال الكويت عن إنماء بشرّي ومناطق نفوذ القوات اللبنانية الأخرى بمشاكلها الداخلية، واضطرار علاقة جعجع بالقيادة التركية إلى المرور بالنائب خالد
ضاهر، لن يستطيع جعجع التلويح بسبابته. يفكر جعجع أيهما أبشع: هذا الحلم أم عدم نقل أية قناة تلفزيونية (باستثناء تلفزيون المر) «مؤتمراته الصحافية»؟ يروي صاحب
المجلس الكسرواني المطل على خليج جونية أن الشمس أشرقت على جعجع متأرقاً في سريره، فقفز من فراشه مذعوراً. ظنه كابوساً آخر، ظنها «ظبطت» مع الوزير جبران باسيل
فنوّر البلد.
لا، لا يمكن الاستمرار في هذه الطريقة. نادى جعجع الموظفين، دقّ النفير، صرخ للحلفاء المفترضين: لمصلحتنا، بعدما خفض باسيل فاتورة الخلوي. إن المواطنين لا يتذكرون
شيئاً اليوم من حملاتنا قبل عامين على صهر العماد. فهم يقارنون بين فاتورة هواتفهم الخلوية قبله وبعده وله يتبسمون. وهم لن يتذكروا شيئاً من تعليقاتنا الساذجة
وملاحظات جورج عدوان حين سينوّر باسيل منازلهم في حال إقرار «خطة باسيل الكهربائية». لا، لا يمكن خطة كهذه أن تمر.
سمعت كسروان صوت جعجع يصرخ في معراب: أين إيلي كيروز؟ نادوا الوزير السابق إبراهيم نجار ليجيبني لماذا لم يبادر إلى معالجة أوضاع المحررين من السجون السورية
ومساواتهم بالمحررين من السجون الإسرائيلية كما طلب تكتل التغيير والإصلاح أخيراً؟ يرتفع الصوت أكثر: الكنيسة خرجت من جيبنا، المنابع المالية جفّت، باتت شاشتنا
التلفزيونية الوحيدة «إلكترونية»، أُخرجنا من الحكومة والتعيينات وأراكم تصفقون للحكومة في محاولتها إنجاز مشاريع لم نترك وسيلة في السابق لعرقلتها. لماذا لم
تتقدموا أنتم بمشروع قانون يحل مشكلة الفارين إلى إسرائيل أو المحررين من السجون السورية؟ أين أنتم من تصحيح الرتب والرواتب؟ لماذا إبراهيم كنعان ـــــ لا فريد
حبيب ـــــ هو الذي يستشرس في المطالبة بتعزيز الصندوق البلدي المستقل؟
ولم يكد أحد النواب يبدأ بالدفاع عن نفسه، حتى تجاوز انفعال جعجع كل سيطرة ممكنة. فقد تنبه رئيس الهيئة التنفيذية إلى أمر في غاية الخطورة، هو ذلك الإعجاب القواتي
ببعض النواب العونيين: حين يتحدث جورج عدوان عن إبراهيم كنعان يتورد خداه. حين تتحدث ستريدا جعجع عن آلان عون تكتم تقديرها. قلب أنطوان زهرا يرقص فرحاً حين
يفكر بسيمون أبي رميا. هناك باختصار من كذب كذبة عن وجود مجموعتين في التيار يمكن الرهان على انفصالهما، وصدّقها. فيما يتبين يوماً بعد يوم أن مجموعة النواب
العونيين التي تصنف قواتياً بالإيجابية تستفيد من الود القواتي لتوطيد علاقاتها مع مختلف أطياف الرأي العام في مناطق النفوذ المشترك بينها وبين القوات اللبنانية.
وثبت أن «تبادل الأدوار» بين أفرقاء التيار لا يمس إطلاقاً بوحدة هؤلاء السياسية. الآن يعلم جعجع أن ناجي غاريوس وآلان عون في بعبدا هما وجهان لعملة سياسية
واحدة. لكن القوات تنشغل بمطاردة أخبار غاريوس، متجاهلة عون، رغم أن الأخير، لا غاريوس، هو النجم السياسي في نظر الرأي العام. هي بتفاعلها الإيجابي معه تعزز
نجوميته وثقة الرأي العام به. ومن بعبدا إلى المتن، تطارد القوات نبيل نقولا، فيما تتفرج على إبراهيم كنعان، رغم أن كنعان لا نقولا هو خصمها الأساسي في المتن.
سبق لأبي نجم أن نبه قيادته إلى هذه المسألة؛ هو الذي عمل سابقاً في مركز دراسات يديره كنعان، لكن القيادة لم تبالِ بملاحظته. الآن ينتبه جعجع إلى انشغال حزبه
في جزين، مثلاً، بنائب تغييري مسافر، فيما تنثر القوات الأرزّ على جرافة زياد أسود مهللة لتهديده حلفاءه قبل خصومه وإلحاقه الهزائم الانتخابية بهم.
لم يعد يمكن الاستمرار كما كان، لم يعد «الحكيم» يحتمل كل هذا الأرق. فليُعرقَل مشروع الكهرباء مهما كان الثمن، وليطِر فؤاد السنيورة إلى بعض الدول الإقليمية
ليفهم ويفهمنا ماذا يحصل حولنا، ولتغيروا يا نوابي الأحباء ويا قائد ثورتنا الإلكترونية طريقة تعاملكم مع ملائكة التغيير والإصلاح.
... وبالفعل نُفّذ الأمر، وبدأ أخيراً التغيير والإصلاح في القوات اللبنانية: بات جورج عدوان يترقب اتصالاً هاتفياً من إبراهيم كنعان يطلب فيه خدمة خاصة حتى
يشهّر به، واستعار زياد أسود سيارة صديق نحو ساعتين فنشر القواتيون خبر اغتنائه المفاجئ، ناسجين في جزين الروايات الخيالية. حتى فريد حبيب بدأ يبحث عن حبوب
تمنع النوم في جلسات الهيئة العامة للمجلس النيابي. أما أنطوان زهرا فهو يطالب بأن تكون جلسات اللجان النيابية العامة علانية ليميز اللبنانيون نواب الاستعراض
من نواب «العمل الجدي»، وتكلف مجموعة إعداد ملفات كاملة عن آلان عون وسيمون أبي رميا وفريد الخازن ووليد الخوري وغيرهم ممن أسهمت القوات بفعالية في لمعان صورتهم.
خرج سمير جعجع من كوابيسه بالخلاصة الآتية:
انسوا أيها القواتيون مواعظ بكركي عن المحبة والشركة، لا صفير نجح في «بحبحة» وصول نواب لنا إلى المجلس، ولا الراعي سينجح.

No comments:

Post a Comment