Sunday, August 28, 2011

جنبلاط ألد خصومها و«التيارّ» و«القوات» لاختبارها و«المستقبل» يخشى أن تعرّيههـؤلاء هـم «أبطـال» النسبيـة... وضحـايـاهـا
على باب الاقتراع في أحد اقلام عاليه في الانتخابات النيابية الاخيرة(علي علوش)
كلير شكر
قال وليد جنبلاط كلمته. أسقط النسبية في «مزبلة» الحسابات الطائفية والمذهبية. لا يبدو أن الرجل يضع في حسبانه ولو لمرة واحدة أن يستعيد شيئاً من كمال جنبلاط
رائد النسبية وأول رافعي رايتها. رسم وليد جنبلاط لنفسه حيزاً لا يريد أن يخطو خارجه. أنا زعيم طائفة وأريد أن أحميها. لست في وارد منافسة الشيعة بدريد ياغي
ولا السنة بتوفيق سلطان ولا المسيحيين باشتراكيي آل معوض. يريد مسايرة حساسيات معينة، كلها تقع بين حدي المطرقة الشيعية في عاليه وبعبدا وحاصبيا والسندان السني
في الاقليم وبيروت والبقاع الغربي، ولا خوف من المسيحيين بوصفهم أحد أطياف «الهنود الحمر» المهدّدين بالانقراض.
لا يريد وليد جنبلاط أن يسمع بحسابات النسبية أو آلياتها. كلّ ما بلغه منها ينذر بعقاب قد تسدّده صناديق الاقتراع إذا ما خرجت من «حضانة» النظام الأكثري. لا
تغريه الفوائد الإصلاحية التي قد تحملها رياح النسبية، ولا تهزّه أصوات التأييد التي تتسع دائرتها يوماً بعد يوم، ولسان حاله كمال جنبلاط «ابو النسبية» ولكن....

بنظر بعض المتخصصين، فإن هواجس الزعيم الاشتراكي في محلها. «البيك» معذور برأيهم. حسابات الورقة والقلم لا تريحه. مجبر هو لا بطل على التمسك بدرع «الأكثري»
لأن «منافسته» أي النسبية، قد تعرّيه من عباءة الزعامة. مروّجو النسبية الذين التقوا اشتراكيين، ضمن جولاتهم على القوى السياسية، لمسوا «نقزة» فاقعة على ألسنتهم.
لا ينكرون أن لهذا الطرح الإصلاحي حسناته، ولكن الشعار شيء، والترجمة العملية شيء آخر.
بتقدير هؤلاء فإن النسبية العادية، كما هي مطروحة اليوم ولو بأكثر من صيغة، عاجزة عن وضع ضوابط ميثاقية تحمي الأقليات السياسية والمذهبية. وبمقدور التفاوت العددي
بين الطوائف في الدائرة الواحدة، أن يتحكّم بمسار العملية الانتخابية، وأن يضرب وظيفة النسبية لجهة توفير التمثيل الصحيح، لأنها تعطي الأكثريات السياسية والمذهبية
«امتياز» التهام مقاعد الأقليات. وهذا أكثر ما يخشاه جنبلاط. وتحديداً، من أن تسلبه حصّة «حرزانة» من «الكوتا» الدرزية، وتفقده القدرة على ضمّ نواب من طوائف
أخرى إلى «جبهته».
خسارة «سيّد المختارة» ستكون مزدوجة: أولاً في سلّته النيابية التي ستنقص حبّات غير قليلة، وثانياً في «هالته» بين أبناء طائفته، لأنه قد يصبح قطباً بين متساوين.
حول هذه «المصيبة» سيلتقي حليفا الأمس، الاشتراكي و«المستقبل»، ولهذا يخيّم الصمت على «المحور الأزرق» الذي يترقّب بهدوء «عاصفة» النسبية تهبّ من سماء الخصوم،
من دون أن يحرّك ساكناً. ويبدو بحسب القراءة الأولية، لنتائج الانتخابات إذا ما اتكأت على النسبية، أن «المستقبل» قد يكون الخاسر الأكبر في هذه المعركة، وسيتبيّن
له أن عظمه ليس أزرق.
وبالتفصيل، يتخوّف «المستقبليون» من أن تكون النسبية قادرة على تسديد اختراقات في «الجدار الأزرق» من خلال ثلاث فجوات:
- لن يكون بمقدوره الهيمنة على مشيئة الأقليات السياسية الحاضرة في الوعاء السنيّ، وتحديداً تلك الإسلامية المتلطيّة بجناحي «المستقبل»، لأنّ النسبية ستعترف
لها بالقوة الذاتية التي قد تخرجها من «الكنف الأزرق»، أو أقله سترسم حدوداً جديدة لعلاقة الطرفين.
- لن يكون سيّد الشارع السنيّ بالمطلق، وسيخسر حكماً «الصفة الاحتكارية» التي يحتفظ بها حتى اللحظة في جيبه، لأن الشراكة ستُفرض عليه شاء أم أبى، من أقطاب وشخصيات
سنيّة من محور الخصوم، سواء في العاصمة، «عرينه السياسي»، أو في مناطق تمدده في الأطراف.
- لن يكون باستطاعته «تسمية» نواب من الطوائف الأخرى، ما لم يكن هؤلاء «أسياد» مناطقهم، لأنّ النسبية ستعطّل محرّكات «المحادل والبوسطات»، ليصبح للأفراد صوتهم
المؤثر والذي يترجم في صناديق الاقتراع. وقد يدفع مسيحيو «المستقبل» أول من يدفع ثمن المعادلة الجديدة.
هذه التداعيات «الكارثية» لا تغيب عن طاولة «المستقبليين». ولهذا تراهم يرحّلون النقاش حول النسبية. بالنتيجة، النسبية مرفوضة جملة وتفصيلاً، لأنّها ستقلّص
نفوذ «الزرق».
مقابل «الاعتراض» العلني والباطني، نجحت النسبية في استقطاب الكثير من المصفّقين لها، قناعة ومصلحة. بعضهم حسبها بالأرقام، فرفعت من معنوياته كما من رصيده النيابي،
وبعضهم الآخر «قرّشها» بلغته الاستراتيجية، فتوافقت مع خياراته.
رئيس الجمهورية ميشال سليمان، أول الواقفين في «صف» النسبية. شعار إصلاحي بامتياز يسهل الترويج له، ومنفذ سليم إلى شاطئ الكتلة النيابية الرئاسية، ولو المحدودة
عددياً، التي تضمن حضوره السياسي بعدما يصبح عضواً في نادي «رؤساء الجمهورية السابقين».
العماد ميشال عون متحمّس لفذلكاتها... ولزواريبها، لأنه مقتنع أنه من أكثر المستفيدين من «خيراتها»: لا يخيفه تجيير بعض المقاعد في الدوائر المسيحية لمصلحة
خصومه الذين سيقاسمونه الأرض وفقاً لقدراتهم التمثيلية، طالما أن النسبية ستعّوض عليه بمقاعد جديدة، قد يصعب تحصيلها فيما لو جرى التمديد للنظام الأكثري. عينه
على مناطق خيّبت آماله في الدورت السابقة، بيروت، زحلة وعكار على سبيل المثال لا الحصر، ليخرج منها ولو شريكاً. كما أنها تمنحه ورقة تفاوض ثمينة في دوائر ذات
غالبية إسلامية، وحضور مسيحي أقلوي، ممثل بمقعد نيابي أو غير ممثل.... ولهذا تلمع عيناه عندما يحدثونه عن «مآثر» النسبية، فيسير وراءهم على «العمياني»، غير
مكترث بحجم الدائرة الانتخابية التي ستحكم القانون.
«القوات» مرتاحة لوضعها الجماهيري مسيحياً. تمدّدها الجغرافي يسمح لها بالالتقاء مع «البرتقاليين» حول النسبية، لسببين: أولهما تلميع صورة برنامجها السياسي
بعد إضفاء صفة الإصلاحية عليه، وثانيهما القناعة الراسخة بأن النظام المستحدث يمنحها القدرة على نقل هذا الحضور إلى صناديق الاقتراع، ومن بعدها إلى مقاعد مجلس
النواب، من دون منّة حليف أو ملاحقة خصم. لن تكون مضطرة للدفاع عن نفسها بتهمة ركوب حافلات التحالفات السياسية كي تصل البرلمان. «الفطر» القواتي الموزّع على
طول الخريطة المسيحية، من بشري إلى مرجعيون، ستكون له وظيفته إذا ما احتكم القانون إلى النسبية. ومن يستدرج «المستقبليون» إلى نقاش حول هذا النظام، يسمع كلاماً
واضحاً حول فرحة «الحكيم» بأحكامها، ويرددون بصوت عالٍ إن «معراب» تصلي كي تعبر النسبية «حواجز الاغتيال» التي تنتظرها.
يعتصم جناحا الطائفة الشيعية بالصمت إزاء الطرح الذي يتحمّس له حليفهما البرتقالي. ليس خوفاً من إفرازاتها، وإنما تمعّناً في دراستها، قبل أن يلفظا رأيهما.
ولكن من يجلس مع «حزب الله» و«أمل» يدرك أن رؤيتهما لهذا الطرح الإصلاحي، تختلف كلياً عن نظرة بقية القوى. فالجميع يحسبها وفق قاعدة الربح والخسارة، ولكنهما
يقدمان مقاربة استراتيجية وقائية: لا يبكيان على مقاعد قد يخسرانها في الدوائر ذات الغالبية الشيعية، طالما أنّ ما سيتسرّب من جيبهما، سيذهب حكماً إلى قوى تدور
في الفلك السياسي ذاته، وبالتالي فإن الخسارة ستكون بالشكل من دون المضمون.
في المقابل، فإن الثنائي الشيعي سيتمكّن من حجز المقاعد الشيعية في دوائر «الآخرين» بـ«عرق» حضورهما التمثيلي، كما اقتناص مقاعد غير شيعية في مناطق نفوذهما،
ما سيضفي الصفة الوطنية على الخطاب المقاوم، وسيسقط وصمة الفئوية، من خلال كتلة نيابية ملوّنة طائفياً تحمي خيارهما السياسي. على هذا الوتر تحديداً يلعب مرّوجو
النسبية لإقناع الحزبين الشيعيين بفوائد النسبية عليهما وعلى حلفائهما.
وحدها الكتائب لا تزال رمادية الموقف. محتارة بين السير بركب النسبية... والوقوف على ضفّة الاعتراض. مشكلتها بالسياسة وليست بالأرقام: تحالفها مع قوى الرابع
عشر من آذار، معرّض للاهتزاز الدائم. أما التحالف مع «التيار الوطني الحر» فدونه صعوبات وعراقيل. وهنا تكمن العقدة. فكل الاقتراحات الانتخابية المعروضة للتداول
تفترض نسج تحالفات شاملة، لتغطي كل المناطق، ويبدو أن الكتائب تحاذر هذه اللغة، وتفضّل التمرّد على المنطق التحالفي، باتجاه الدائرة الفردية التي تجنبّها هذه
الكأس المرّة، ولكونها أصغر كوّة قد تنفذ منها للحفاظ على حجم تمثيلها البرلماني، لا سيما ان المهمة تبدو صعبة جداً نظراً لتراجع حضورها.

No comments:

Post a Comment