Tuesday, August 30, 2011

> تمويل المحكمة على الأبواب: يمر أو لا يمر

تمويل المحكمة على الأبواب: يمر أو لا يمر
سليمان حذر ومتريّث حيال تسديد الحصة بين طرفي الحكومة المتناقضين (أرشيف)

كأنه لا يكفي حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ما تتعرّض له من الخارج حتى تجبه انقسامات الداخل بين أفرقاء الائتلاف. لن يكون مشروع قانون الكهرباء آخر الانقسام. إلا
أن ثمّة مشكلة تنتظرها وتعزّز فيها ما يتخطّى التباين في وجهات النظر إلى التعارض في الخيارات وتوجيه السلطة

نقولا ناصيف

لغمان آخران يمثّل كلّ منهما استحقاقاً حتمياً في طريق حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. أوّلهما معجّل، والآخر مؤجّل: تسديد لبنان حصته في تمويل المحكمة الدولية لعامي
2011 و2012، وطلب تمديد عمل المحكمة ثلاث سنوات جديدة مع انقضاء السنوات الثلاث الأولى في آذار المقبل.
وإذا بدا من المبكر، من الآن، الخوض في الاستحقاق المؤجّل، بيد أن الاستحقاق المعجّل يكاد يكون على الأبواب، ولم يخض فيه بعد الأفرقاء المعنيون به إجرائياً
وهم حكومة ميقاتي، والأفرقاء المعنيون به سياسياً وهم قوى 14 آذار. في أيلول، تستحق على لبنان حصته في الموازنة السنوية للمحكمة لعام 2011 التي تأخر في تسديدها،
وكانت أدرجت في موازنة عام 2011 في حكومة الرئيس سعد الحريري، وناقشتها لجنة المال والموازنة وأثيرت من حول الحصة اعتراضات، ثم طلبت حكومة ميقاتي استردادها
لإدخال تعديلات عليها. وتبلغ حصة لبنان نسبة 49 في المئة من الموازنة السنوية للمحكمة الدولية المقدّرة بـ65 مليون دولار.
وتطرح حصة لبنان في التمويل أكثر من مشكلة سياسية تتصدّر حكومة ميقاتي، وتضع الائتلاف الحكومي مرة أخرى أمام امتحان وحدته وتماسكه ومقدرته على اتخاذ قرارات
تحظى بأوسع توافق عليه. فرئيس الحكومة وحليفاه الوزيران محمد الصفدي وأحمد كرامي والوزراء الثلاثة لرئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط يقفون
مع تسديد لبنان حصته في التمويل بلا شروط أو تحفّظ، بينما يعارضه وزراء حزب الله وحركة أمل وتكتل التغيير والإصلاح انطلاقاً من موقفهم المشكّك في صدقية المحكمة.
بين هذين الطرفين، يتخذ رئيس الجمهورية ميشال سليمان موقفاً حذراً ومتريّثاً، جعله يقول لبعض زواره أخيراً، عندما فاتحوه في الموضوع، إنه يرى الأمر حسّاساً
ودقيقاً للغاية، من دون أن يفصح عن موقفه من تسديد الحصة أو عدمها. استنتج هؤلاء الزوّار أن الرئيس يرغب في مراعاة موقف حزب الله.
ورغم أن أحداً من شركاء الائتلاف في حكومة ميقاتي لم يُثر علناً بعد موقفه من التمويل عند استحقاقه، من غير أن يتجاهل أي من هؤلاء مواقفه الصريحة من المحكمة
نفسها وعملها، إلا أن الخوض في التمويل بات يمثّل مشكلة كبيرة في ذاتها تبعاً لمعطيات أبرزها:
1 ــــ تمسّك رئيس الحكومة وحلفائه الوزراء ووزراء جنبلاط بالتمويل والتعامل معه على أنه التزام حتمي للبنان مع الأمم المتحدة لا يسعه نقضه، عملاً ببروتوكول
التعاون بينهما. ومن شأن الإخلال به تعريضه ــــ كما سمعة الحكومة وتأكيد احترامها التزاماتها الدولية ــــ لمزيد من الإحراج أمام المجتمع الدولي، وخصوصاً في
حال امتنعت عن تسديد حصة لبنان لعام 2011. ولا يؤول هذا الامتناع إلى تعطيل عمل المحكمة التي يرعى نظامها آلية توفير الأموال المخصصة لإدارتها من مصادر أخرى،
إلا أن لبنان هو المعني الأول بها، وهي محكمته. ويقول أصحاب هذا الرأي إن تمسّكهم بالتمويل لا يحجب انتقادهم المحكمة، أو التشكيك في جوانب من عملها، أو الاعتقاد
بقدر من التسييس يسيّرها.
2 ــــ على طرف نقيض يقف حزب الله الذي لا يسعه الموافقة على تمويل محكمة ينعتها بأنها أميركية ــــ إسرائيلية، مسيّسة وتستهدف المقاومة. لا يمكنه كذلك، تبعاً
لهذا الموقف، تمويل السلاح الذي يقول إنه يطلب رأسه، أو في أحسن الأحوال تمويل محكمة أميركية ــــ إسرائيلية. وينطلق موقف الحزب من دلالة سياسية أكثر منها مالية
ترتبط بصدقية المواقف المتشدّدة التي اتخذها الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله منذ ما قبل صدور القرار الاتهامي، ثم بعده.
3 ــــ يأتي التمويل الجديد للمحكمة في ظلّ صدور القرار الاتهامي باغتيال الرئيس رفيق الحريري وتوجيه الاتهام إلى أربعة من أفراد حزب الله، الأمر الذي لم يكن
مثار خلاف في حكومة الحريري عندما سدّدت حصة عام 2010، ومن قبلها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حينما سدّدت حصة عام 2009، ولم يفتعل أفرقاء حكومتي الوحدة الوطنية
نزاعاً على التمويل رغم الانقسام الحاد في الموقف من المحكمة نفسها.
كان هؤلاء جميعاً يؤكدون رفضهم قراراً اتهامياً يمسّ الوحدة الوطنية، أو يثير نعرات مذهبية، أو مشوباً بعيوب تتوخى استهداف المقاومة بالذات. لكن الأمر أضحى
مختلفاً تماماً بعد صدور القرار الاتهامي. بعد إطاحة حكومة الحريري وإخراج رئيسها من الحكم بالقوة، تبنّت قوى 14 آذار القرار الاتهامي بلا شروط، وعدّته سلاحاً
فتاكاً في وجه حزب الله، وراحت، خلافاً للمرحلة السابقة، تتهمه وقيادته بالضلوع المباشر في اغتيال الرئيس السابق للحكومة. بذلك يصبح تمويل المحكمة في ظلّ القرار
الاتهامي وكشف أجزاء من مضمونه أكثر وطأة على حزب الله في تحديد خياره من التمويل.
4 ــــ يكمن الشقّ الآخر في المشكلة المحيطة بسبل إخراج تسديد حصة لبنان أو رفض تسديدها. فلكل من مجلسي الوزراء والنواب نصاب يتحكم أحد فريقي الائتلاف الحكومي
فيه. يمسك حزب الله وحلفاؤه بالنصف زائداً واحداً (16 وزيراً) في مجلس الوزراء على نحو يمكّنه من فرض قراره بمنع تسديد لبنان حصته لعام 2011، ثم لعام 2012 عندما
يحين أوان مناقشة مشروع قانون موازنة السنة المقبلة. في المقابل يمسك ميقاتي وجنبلاط بالأصوات المكمّلة للنصاب القانوني للغالبية النيابية في البرلمان على نحو
تصبح هذه الغالبية الممثلة لقوى 8 آذار وهمية (58 نائباً)، لتعذّر سيطرتها ــــ من دون كتلتي ميقاتي وجنبلاط ــــ على الأكثرية المطلقة واتخاذ قرار مشابه لقرار
مجلس الوزراء بالامتناع عن التمويل.
يفسح ذلك في المجال أمام مجلس النواب لتحديد كلمته الفصل، إلا إذا مارس حزب الله ضغوطاً مباشرة على الزعيم الدرزي لثنيه عن الإصرار على تمويل حصة لبنان، والانضمام
إلى موقفه المعارض.
لكن قراراً معاكساً لوجهة نظر حزب الله يفضي في نهاية المطاف إلى تقويض مغزى إمساكه بالغالبية النيابية، ويضع سرّ هذه بين أيدي ميقاتي وجنبلاط وحدهما، من دون
أن يجعلهما قادرين على فرض تسديد الحصة. بذلك يفقد البرلمان مبادرة بتّ التسديد: لا الأكثرية تملك أصوات منع تمويل حصة لبنان، ولا جنبلاط قادر على الوقوف مع
الأقلية التي تمثلها قوى 14 آذار ضد حلفائه في الائتلاف الحكومي من أجل فرض تسديد الحصة.
5 ــــ يحتاج بتّ تسديد لبنان حصته في المحكمة إلى موافقة مزدوجة من مجلس الوزراء ومجلس النواب، فيما التمديد للمحكمة ثلاث سنوات جديدة بدءاً من آذار 2012 يقتصر
على إجراء حكومي محض يقضي بالتشاور مع الأمين العام للأمم المتحدة على ذلك. في المقابل يرفض حزب الله أي محاولة لتسديد الحصة بسلفة خزينة يقرّرها مجلس الوزراء
على غرار ما فعل الحريري لدى تسديده حصة عام 2010، بمقدار رفضه إدراج التسديد في مشروع قانون الموازنة العامة.

No comments:

Post a Comment