Wednesday, August 24, 2011

التصعيد العوني يقطفه جنبلاط لتعزيز تموضعه المفتوح على كل الاتجاهاتتبرؤ الحلفاء من معادلة «الكهرباء مقابل الحكومة» يسقطها في مهدها
ايلي الفرزلي
معادلة «الكهرباء مقابل الحكومة» التي رسمها العماد ميشال عون حلت كالصاعقة على كل من سمع «الجنرال». أما هو فرددها كمعادلة رياضية بسيطة غير قابلة للدحض. الاصرار
عليها بدا بالنسبة له الأمل الأخير لينقذ ماء الوجه الاصلاحي الذي يتعرض ليلاً نهاراً لهواء بارد يلفحه به جمهوره حيناً ومعارضوه أحياناً. أبرز المهام التي
يضطلع بها نواب التيار هي التوضيح والتفسير للجمهور الذي لا يمل من السؤال عن سبب وجود «الجنرال» في فوهة المدفع دفاعاً عن خيارات غيره، لاسيما في ما يتعلق
بسلاح المقاومة وسوريا. في الخلفية ثقة تامة أن الإنجازات الإصلاحية والمكاسب الإدارية ستشرع وزن التكتل المسيحي على الأرض وتجعله «سيد الساحة». وعليه، فإن
أحد أهم الإنجازات التي وجد «الجنرال» فيها ضالته هو ملف الكهرباء، الذي كان يظن انه سيمسك به معارضيه وحلفاءه من اليد التي تؤلمهم، لاسيما أن أي اعتراض سيكون
بمثابة دعوة للمؤيدين والمناصرين لشراء الشموع، وكحد أقصى للعن الظلام، الذي سيدوم حينها ويحرق جميع المواقف المنمقة.
عندما وجد عون أن رياح بعض من في الحكومة ومن في خارجها لم تمش كما تشتهي سفنه، خرج عن طوره، مهدداً مراراً وتكراراً بفرط الحكومة حتى تحول التهديد إلى رسائل
تسلم باليد إلى كل من يهمه الأمر.
هل يمكن لموقف بهذا الحجم ألا يكون منسقاً مع الحلفاء؟ الجواب الحاسم من قبل مصادر الأكثرية، أن عون في واد وحلفاؤه في واد آخر، بحيث لا يصلهم من تهديداته إلا
صداها. ومع حرص جميع أطراف هذه الأكثرية على السير بالمشروع، إلا أنهم يستغربون طريقة إدارة العونيين للملف الذي أخذ طريقه الطبيعية نحو المعالجة في مجلس الوزراء،
فإذ بـ«الجنرال المتسرع» يحوله إلى مادة لتهديم الحكومة والأكثرية الجديدة.
لم يستسغ عدد من نواب الأكثرية ما قاله جبران باسيل وما سبقه إليه ميشال عون عن معادلة الكهرباء - الحكومة، سائلين هل يتم التعاطي مع مخاطر كبيرة بهذه الطريقة،
بدلاً من البحث عن آلية تسمح بأكل العنب؟ الرسالة الواضحة من الحلفاء هي إذاً: حتى لو كان كلام عون وباسيل تكتيكيا وهدفه الضغط لإقرار المشروع، «فحتما هذا ليس
أوانه».
أما الرد العوني فلا يقل وضوحاً: هذه الحكومة لم تعد تستطيع الاستمرار بالمراوحة، وإذا لم يستطع ميقاتي أن يقدم أكثر مما قدمه فؤاد السنيورة أو سعد الحريري،
فليعد أحدهما إلى السلطة عندها ونتحرر من وطأتها، ووطأة غياب الانجازات.
الانفعالات لا مكان لها في السياسة وكثرة التهديد لا مكان لها في السياسة، وبدل أن يقول باسيل مثلاً أن لا حكومة من دون الكهرباء، كان عليه أن يضبط خطابه على
مسافة من الوصول إلى الصاعق الذي لا يخدم البلد.
الخوف من التصعيد العوني يخضع سريعاً لاختبار الواقعية، فيصبح مبرراً عند سماع ردة فعل النائب وليد جنبلاط الذي أكد لـ«السفير» أمس رفضه الابتزاز ولو اهتز التحالف.
واستمرار السجال على هذا النحو يمكنه، بحسب مصدر أكثري، أن ينقل دفة الحكومة من شاطئ الانتاجية والمشاريع إلى بحر البحث عن كيفية لملمة نفسها.
هذه هي المشكلة بالنسبة لـ«التيار الوطني الحر»، فهو حسم موقفه بأن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تثبت عجزها يوماً بعد آخر، وبالتالي فإن خلاف الرؤية والتوجه داخلها،
صودف أن بدأ من باب الكهرباء «كمشروع نموذجي يهدف الى وقف النزف والى التوفير على خزينة الدولة لكن يبدو أن الاعتراضات عبرت في مكان ما عن وجود قطبة مخفية،
تتلطى بالتقنيات، ولكنها تعبر عن وجود اساسات راسخة للمافيات».. يعني ذلك عونيا انه كان يمكن أن تتفجر الأمور عبر أي موضوع حيوي تتردد الحكومة وبعض أقطابها
في السير به انطلاقاً من حسابات سياسية معقدة، لا مكان فيها للاصلاح أو حاجات الناس.
مهما كان عنوان الحملة العونية على بعض الحلفاء، فإنه سمح لجنبلاط أن يسجل نقطة إضافية «لصالح ممارسة هوايته في القفز على الحبال»، بحسب نائب أكثري. قبل أن
يسأل: هل المطلوب إعطاء جنبلاط الفرصة الكاملة للسير في تسهيل سعيه للتموضع في مكان مفتوح على كل الاتجاهات؟ ليخلص إلى خطأ استراتيجي ارتكبه عون في دفعه بهذا
الاتجاه، فيما كان يفترض أن يسحب اقتراح القانون الذي قدمه منذ البداية، تأكيداً على التماسك الحكومي. إذ لم يحصل أن ألزم المجلس النيابي الحكومة بتنفيذ مشروع
استراتيجي بهذه القيمة، فيما يفترض ان تكون هي مسؤولة عن مشروعها وأعدت الدراسات اللازمة له، أو على الأقل اطلعت ووافقت على الخطة التي أقرتها الحكومة السابقة.

كلام جنبلاط ليس إعلان طلاق مع تموضعه الحالي، والحلفاء يعملون على قاعدة أنه «مش كل ما حكي جنبلاط كلمة بدنا ننقز»، من دون أن يغيب عن بالهم أن رد فعل جنبلاط
قد لا يكون أكثر من إعلان جهوزية لمعارك لاحقة تنتظره، أبرزها قانون الانتخاب بنسبيته المرفوضة من المختارة. وبرغم ذلك فإن بعضهم يتوقف عند ما جعل وزراء جنبلاط
يكونون ملائكة فؤاد السنيورة الحاضرين في الحكومة والناطقين باسمه، لاسيما أن مشهد التنسيق بين السنيورة والنائب أكرم شهيب في الهيئة العامة لمجلس النواب تحول
إلى مشهد معتاد خلال الجلسات، لا بل أكثر من ذلك يقول أحد النواب العونيين: «لقد شاهدنا بأم العين رئيس الحكومة يغمز كلا من السنيورة وشهيب في الجلسة التشريعية
الأخيرة، وكأنه كان يقول لهما «اتركوا لي جبران باسيل فأنا خير من يدرك دواءه».

No comments:

Post a Comment