Wednesday, August 31, 2011

> بطاقات الوعي المتأخّر

بطاقات الوعي المتأخّر

«Credit Cards» لـ10% من السكان: حذارِ، إنها دين
بطاقات الائتمان هي بطاقات دين يحصل عليه الزبون المصرفي (مروان طحطح)

قبل أكثر بقليل من عقد مضى، كان العلم ببطاقات الائتمان (Credit Cards) والتداول بها في لبنان ضعيفاً جداً، لكن، تدريجاً، ومع فورة القروض والتسهيلات الائتمانيّة
من المصارف، تضخّم انتشارها، رغم الخوف منها. فنما عدد البطاقات ليساوي نحو عشر سكان لبنان، فيما الأهمّ يبقى ضرورة التنبّه إلى مبادئها: إنّه قرض عليك أن تردّه

حسن شقراني

«يعكّز» عدد لا بأس به من الشباب اللبناني (الموظّف) على بطاقات الائتمان؛ ففي ظلّ المستوى المتدنّي للحدّ الأدنى للأجور (والأجور والرواتب عموماً)، لا يبقى
لبعض الموظّفين سوى هذا الملجأ لسدّ النقص في ميزانيّاتهم في آخر الشهر، أو حتّى منذ نصفه! وهناك نوع آخر من مالكي هذه البطاقات، حصلوا عليها بالإغراء؛ إيلي،
مثلاً، تحوي محفظته 3 بطاقات ائتمان: الأولى حصل عليها «هدية» من المصرف حيث وطّن راتبه، والثانية من مصرف آخر يموّل تقسيط سيارته، والثالثة من متجر شهير للأدوات
الكهربائية، حيث ابتاع بالتقسيط احتياجات لمنزله. ورغم كثرة البطاقات في جعبته، يبقى وضع إيلي مقبولاً إلى حدّ ما، لأنّ المبلغ الإجمالي في البطاقات الثلاث
لا يتعدّى الـ 3 آلاف دولار.
بيد أنّ الخطورة تظهر في سلوك نوع آخر من ملّاك البطاقات، ممن ينجرفون في الإنفاق عبرها من دون وعي حقيقي لكلفتها وتداعياتها. ريتا، مثلاً، وصلت إلى مرحلة تحوّل
فيها حوالي 80% من راتبها لتسديد الدفعات الشهريّة التي تغطي السحب عبر بطاقاتها.
«لا أحد يستطيع أن يسيطر على الإنفاق فيها. كلّ الذين يحملونها مكسورون. هناك من وصلوا إلى مرحلة يسدّدون فيها كلّ معاشهم على هذه البطاقة» يقول محمّد، الذي
يعارض كلياً استعمال بطاقات الائتمان من أساسه؛ مع العلم أنّه ينتمي إلى الطبقة الوسطى اللبنانيّة (وهو تصنيف ضبابي).
ورغم تباين أوجه التصنيف، بين الضرورة والهوس، ليس هناك أدنى شكّ في أنّ لبطاقات الائتمان أهمية متزايدة، سواء للموظفين المحدودي الدخل (الشباب إجمالاً)، أو
لمحبّي التبضّع من دون تحمّل عبئه لعدم القدرة على ذلك، بل أيضاً لمحبّي السهولة في التعاطي بالمدفوعات.
والحقيقة أنّ بطاقات الائتمان هي بطاقات دين يحصل عليه الزبون المصرفي، والمستهلك إجمالاً في لبنان، ويُردّ عبر دفعات شهريّة لها حساباتها الخاصّة، تبدو للكثيرين
معقّدة ومليئة بالدهاليز. غير أنّ انتشارها يزداد.
فوفقاً للأرقام التي نشرها المصرف المركزي، أخيراً، وصل عدد بطاقات الائتمان، التي منحها الجهاز المصرفي للجمهور، إلى 410701 نهاية أيار الماضي، مسجّلاً نمواً
بنسبة 12.7% مقارنة بالشهر نفسه من عام 2010. ويساوي 10% من سكّان لبنان؛ لكن هنا لا يُمكن القول إنّ عشر اللبنانيّين يحملون تلك البطاقات، نظراً إلى معدّل
التركّز بين حامليها؛ بمعنى آخر، فإنّ شخصاً واحداً يُمكن أن يكون حاملاً لبطاقتين أو أكثر. ويأتي هذا النموّ رغم حالة الهدوء التي عاشها الاقتصاد خلال النصف
الأوّل من السنة الجارية، مقارنةً بالفترات المقابلة من السنوات الأربع الأخيرة؛ ويوضح أنّ المصارف لم تكبح زيادة قروضها، ولم تُثن شهيّة المستهلكين عن طلب
تلك القروض، بل حتّى زادتها، رغم شيوع عرف لدى اللبنانيّين بأنّ هذه البطاقات هي كالقمار متى أدمنت على الإنفاق منها وتأجيل مستحقّاتها للشهر المقبل لن يكون
بإمكانك التوقّف.
«هناك وعي متزايد إلى أهميّة بطاقات الائتمان وكم هي عملية» يقول رئيس قسم الأبحاث في «بنك بيبلوس»، نسيب غبريل. وهو يستذكر مرحلة ليست بعيدة كانت فيها تلك
البطاقات غائبة عن حياة اللبنانيّين: «أذكر في عام 1997، مثلاً، لم يكن هناك أحد يعرف ببطاقات الائتمان».
طبعاً هذا الوعي يخلقه التحفيز والتسهيلات. فخلال العقد الماضي «زادت نقاط البيع التي تقبل تقاضي الأموال عبر هذه البطاقات؛ كذلك هناك منافسة طبيعيّة بين المصارف
تزيد الانتشار والطلب، وهناك مصارف معيّنة تعتمد سياسات هجوميّة في السوق لكي تزيد من حصّتها»، يتابع الخبير الاقتصادي؛ يُسمّون تلك الاستراتيجيّة العدائيّة
السوقيّة.
وبحسب قسم الأبحاث في «بنك لبنان والمهجر» فإنّ «تحسّن الثقة بالاقتصاد المحلّي مع تراجع كلفة الإقراض ورؤية أكثر إيجابية لتسليف القطاع، عوامل أسهمت كلها في
رفع اختراق (انتشار) بطاقات الائتمان خلال الأشهر الأخيرة».
ورغم أنّ انتشار بطاقات الائتمان يزداد، يبقى دون المستويات العليا في الولايات المتّحدة مثلاً. فهناك «تصلك بطاقات الائتمان عبر البريد وليس بالضرورة أن يكون
المصرف من يصدرها، كما هي الحال في لبنان، بل مؤسّسات تجاريّة؛ ويتحمّس المستهلكون لاستخدامها من دون وعي لكلفتها وفائدتها».
ويُشدّد نسيب غبريل على أنّ بطاقات الائتمان هي دين، هناك أساليب كثيرة لردّه عبر الأقساط الشهريّة، يُمكن أن يدفع المرء نسبة من السحوبات الشهرية أو حتّى كلها؛
«وإن كانت أداة عملية جداً، لا يجوز اعتبارها دخلاً إضافياً، ويجب التنبّه إلى سقفها المحدّد والفائدة المفروضة عليها. إذا كان المستخدم واعياً لكيفيّة ردّ
سحوباته وإلى مدى تماهي تلك السحوبات مع مدخوله، فلا مشكلة».
لكن، بعيداً من خطورة عدم التنبّه إلى الأسس، تصحّ في لبنان كثيراً مقولة إنّ بطاقات الائتمان سندٌ مهمّ للكثيرين مع بقاء الحدّ الأدنى للأجور منخفضاً جداً
(500 ألف ليرة فقط)؛ وعلى أساسه يُكوّن في الإجمال راتب لا يُحقّق للموظف (ة) ما يبغيه من سلع استهلاكيّة المختلفة، التي يتحرّق عارضوها بشوق للمشترين الذين
يرزورون مجمّعات تجاريّة تنبت كالفطر.
لذا فإنّ هذا النوع من البطاقات يُمثّل دعماً مادياً، بل حتّى نوعاً من الدعم المعنوي في المجتمع اللبناني الذي ينحو أكثر فأكثر صوب الاستهلاك، معتمداً على
مصادره المختلفة التي تكوّنت على مرّ سنوات بعد الحرب.
ذلك الاستهلاك بالمعنى الواسع «لا يرتبط بما ننتجه في الداخل» يقول الخبير الاقتصادي، ألبير داغر؛ بل «تشجّعه التحويلات التي تزدهر في هذا الاقتصاد، الذي يعتمد
على شقّه الخارجي، فبقدر ما هناك استنزاف للبشر وتهجير، بقدر ما هناك زيادة لتحويل الأموال من الخارج وارتفاع للاستهلاك الداخلي».
ومع الجنوح أكثر صوب الاستهلاك، تتنافس المصارف في تقديم أفضل التسهيلات لزيادة محفظتها من القروض الشخصية، يتابع داغر. «وهذا دور سهل، تُقدّم في إطاره التسهيلات
للاستهلاك، ويعدّ القطاع المصرفي نفسه أنّه حلّ المشكلة ويفرح منه المستهلكون»، لكن هيكلياً تبقى الأمور مضطربة.

135 مليون دولار

المدفوعات الاستهلاكيّة عبر البطاقات المصرفيّة في أيار الماضي، بنمو نسبته 25.3% مقارنة بالشهر نفسه من عام 2010 (ومقارنة بـ75 مليون دولار فقط في بداية عام
2008!). أمّا السحوبات عبر آلات السحب المصرفية (ATM)، فبلغت 435 مليون دولار بنموّ نسبته 7%.

الشيك لا يزال طاغياً

رغم النموّ المتزايد للبطاقات المصرفية مع ازدياد الوعي بسهولة استخدامها، يبقى الشيك الوسيلة الأساس بين أدوات الدفع. فبين 80% و90% من قيمة المدفوعات المصرفيّة
هي عبر الشيكات، لذا يُمكن القول إنّ «الشيك لا يزال طاغياً»، وفقاً للأمين العام لجمعيّة المصارف، مكرم صادر. ويُشار إلى أنّ البطاقات المصرفيّة تنقسم بين
«ائتمان» و«دفع» وأنواع أخرى («Charge» و«Prepaid») وحصّتها هي 23.8% و65.8% و10.3% على التوالي. وعددها الإجمالي يبلغ 1.724 مليون بطاقة تنمو بالدرجة الأولى
بسبب انتشار «بطاقات الائتمان».

No comments:

Post a Comment